دُولٌ استبيحت، ودماءٌ أُريقت، ومدنٌ خُرّبت، ومخططات خبيثة تحاول أن تقود العالم العربي والإسلامي نحو التفكيك وضرب المعتقدات والقيم، والعراق أصبح على خط التماس مع هذه المخططات دينيًّا واجتماعيًّا وجغرافيًّا وسياسيًّا. الكل يترقب ويتساءل: أين ستتجه الأمور؟ وأين نحن في خضم هذه الأحداث؟
إنّ الدهشة وفقدان البوصلة لدى الكثيرين تجاه ما يحصل يعود سببها إلى عدم الإلمام بالمعادلات العالمية القائمة، والأساس الديني لكل هذه الصراعات والكوارث والمآسي الإنسانية التي نشهدها يوميًّا. وهنا تبرز حكمة المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، المتمثلة بسماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)، في التعامل مع هذه القضايا بمنطق يرتكز على صلابة الموقف العقائدي من جهة، والحرص على حفظ الدماء، وحماية واحترام الحدود الدولية والهويات الوطنية كأمر واقع لابد من مراعاته، وأنّ أي إضعاف للهوية العقيدية يؤثر سلبًا في حفظ الهوية الوطنية، والعكس صحيح.
هذا المنهج المتوازن للسيد السيستاني هو ما أضفى الطابع العالمي لمرجعيته المباركة، فأصبح رمزًا للسلام العالمي وبابًا للحكمة وحل الأزمات يقصده دون غيره كبار الزعامات الدينية والسياسية على مستوى العالم. وما زيارة بابا الفاتيكان (فرنسيس) إلى العراق ولقاؤه بسماحة المرجع الأعلى في آذار 2021 إلا تجسيدٌ واضحٌ لهذه المكانة السامية لمرجعية سيد النجف.
إنّ من يتعمق في فهم رؤية ومنهج سماحة السيد السيستاني تجاه المنعطفات الخطيرة التي عصفت بالمنطقة والعالم، لا يمكن أن يقف موقف المتحير تجاه الأحداث الآنية؛ فكل ما تحقق من المكتسبات ومساحات التأثير يعود الفضل فيها إلى حكمة ودراية سماحته في التصدي للأحداث والظروف العصيبة التي مرّت على العراق، بدءًا من التحول الديمقراطي وإقرار الدستور الجديد مرورًا بالتحديات الأمنية الخطيرة ومحاولات زرع الفتنة، وانتهاءً بتحدي د11عش وإصدار الفتوى التاريخية للجهاد الكفائي. فلا بد من البصيرة وفهم خطوات المرجعية العليا ومواقفها السابقة التي أفضت إلى العديد من الآثار والنتائج الإيجابية، وأن نستحضرها كي نستنير الطريق.
وعلى إثر ذلك، ينبغي الثبات والاستمرار في السير على خطى المرجعية العليا، ومهما طالت الحروب والتحديات، فإن الثبات هو النصر الاستراتيجي الذي يرعب العدو ويفسد كيده ومشاريعه الرامية إلى تفكيكنا دينيًّا واجتماعيًّا. فلنحافظ على مبادئنا الدينية وقيمنا الاجتماعية، ونسعى وراء الأهداف تحت ظل عباءة السيد السيستاني، لتهيئة البيئة والأرضية المناسبة لقيام دولة العدل الإلهي المنتظرة.