أعربت صحيفة "ميديا بارت" الإلكترونية الفرنسية، وعبر سطور مقالها المفصّل عن زيارة الأربعين المليونية المباركة، عن إندهاشها للطريقة التي يُدعى بها المشاركين بهذه الزيارة، لتلقّي خدمات المواكب الحسينية المنتشرة على طول طريق المسير.
وذكرت الصحيفة، أن "من المثير للإهتمام هو قيام خدّام تلك المواكب بإعتراض الطريق على زوّار الأربعين في وحثّهم على قبول عروضهم، والتي غالبًا ما تتضمن مجموعة كاملة من الخدمات التي لا تليق إلا بـ (الملوك)، ومنها جلسة تدليك للأقدام كبداية، متبوعةً بوجبة لذيذة وساخنة، كما يُعرض على الزائر مكان للإقامة والراحة أثناء أخذ ملابسه بغرض غسلها وكيّها، ثم إعادتها إليه بعد إنتهاء قيلولته، وكل هذا بالمجان وسط ترحيب شديد من قبل المضيفين".
وقارنَ كاتب المقال، مشاهداته عن هذه الزيارة، مع ما جرى في أنحاء أخرى من العالم، ومنها تبعات الزلزال الذي ضرب جمهورية (هاييتي)، والذي نال تعاطف ودعم العالم أجمع، مما أسفر عن قيام برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، بتسليم نصف مليون وجبة طعام على الأكثر، لتتواصل بعدها جهود الإغاثة الدولية التي كان أبرزها آنذاك، الحملة التي أطلقها الجيش الأمريكي بغرض جمع موارد ضخمة من مختلف الوكالات الفيدرالية على مدى خمسة أشهر من وقوع تلك الكارثة، ليتم بعدها تسليم (4.9) مليون وجبة طعام إلى المتضررين الهايتيين، بالمقارنة مع أكثر من (50) مليون وجبة طعام يومياً خلال زيارة الأربعين، وهو ما يعادل (700) مليون وجبة طوال مدة الزيارة، دون أي تمويل من الأمم المتحدة أو الجمعيات الخيرية الدولية، ولكن من قبل العمال والمزارعين العراقيين الفقراء الذين يشدّون من أزرهم ويدّخرون قوتهم اليومي ليتمكنوا من إطعام الزوّار سنوياً، في وقت يقوم فيه من يتبقى من أفراد عوائلهم بقتال تنظيم داعش الإرهابي على الحدود من جهة، وفي حماية وتأمين طريق الزائرين من جهة أخرى".
وأضاف الكاتب، أنه "من المتوقع أن يتم إدراج زيارة الأربعين في موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية ضمن عدة فئات، منها أكبر تجمع سنوي، وأطول مائدة طعام مستمرة، وأكبر عدد من الأشخاص ممن يتم إطعامهم مجاناً، وأكبر مجموعة من المتطوعين يشاركون في حدث منفرد"، مؤكدّاً إن "مجرد التفكير في هذه الجماهير هو أمر مثير للإعجاب، وما يجعل هذا المشهد أكثر إثارة هو أنه مع تدهور الوضع الأمني ، أصبح المزيد والمزيد من الناس مستعدين لتحدي التهديدات الإرهابية والمشاركة في هذه المسيرة، وبالتالي، فإن الأربعين ليست ممارسة دينية بسيطة، بقدر ما هي تأكيد شجاع على المقاومة، حيث أظهرت بعض مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت، إقدام إنتحاريين بتفجير أنفسهم وسط جموع زوّار الأربعين، الذين يردّون بتكثيف تواجدهم في هذه الزيارة وسط ترديدهم لإنشودة (لو قطعوا ارجلنا واليدين... نأتيك زحفاً يا حسين) في إنسجام تام وإطمئنان قلّ نظيره".
وتؤكّد الصحيفة الفرنسية، إنه "ليس من السهل على الأجنبي أن يفهم ما يلهم هؤلاء الزوّار، إذ يرى نساءً يحملن أطفالاً بين أذرعهن، وكبار السن على كراسي متحركة، وآخرين على عكازات، وغيرهم مكفوفين"، مضيفةً أن "موفدها إلتقى بأبٍّ جاء على طول الطريق من البصرة مع ولده ذو الـ (12) عاماً من العمر والمصاب بالشلل الدماغي بحيث لا يمكنه المشي دون مساعدة، مما يدفع بالأب الى وضع الصبي أمامه ومساعدته على المسير ممسكاً إياه من الإبطين لأجزاء طويلة من الرحلة، في صورة أقرب ما تكون الى القصص التي تنال جوائز الأوسكار، إلا أن ما يبدو هو أن هوليوود مهتمة أكثر بأبطال القصص الخيالية، من أولئك الموجودين في الحياة الواقعية والذين تتمثل قوتهم الخارقة بالشجاعة والتفاني".