إنَ أهم ما يلزم على الانسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة. وجلُّ جهل الإنسان ناشئ عن أحد عاملين، أما أحدهما فهو اللامبالاة تجاه ما يلزم الاطلاع عليه، تثاقلاً عن البحث أو تساهلاً في تحصل المعلومة الصحيحة، وإخلاداً الى الانطباعات الواهنة والاماني القائمة. وأما الآخر فهو التعصب عن قبول الحق والاستنكاف من الإقرار بالخطأ. وكلا العاملين مما يتعالج بالتوعية والتزكية، لأنها تدعو الى الاهتمام بكل شيء بحسب ما يليق به والتثبت حوله على وجه مناسب، ثم الإذعان بما يظهر من الحق والانقياد له. وكأنه لما ذكر من سبق التزكية على التعليم قدَّم ذكرها في القرآن المجيد حيناً، إذ قال سبحانه: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ))، كما جعل تعالى الكتاب هدى للمتقين فقال عزَّ مَنْ قائل: ((ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)). كما أخرَّ ذكرها حيناً آخر، نظراً الى دورها في التحفيز على السلوك العلمي، كما قال تعالى عن لسان إبراهيم (عليه السلام): ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)). ولا يختص هذا المعنى بالتزكية الدينية الناظرة الى تحصيل رضا الله سبحانه والعمل بما فطر عليه الإنسان والتهيؤ للقائه والدار الآخرة، بل إن كل علم نافع لا يستغني عن استعدادين اثنين: استعداد نفسي سابق لاستقباله، واستعداد آخر لا حق للعمل به بعد الوقوف عليه. المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص11-12.