بعد إنعقاد الصلح بين أهالي كربلاء والحكومة العثمانية، فرضت السلطات العثمانية بعض الضرائب على الجاليات الأجنبية من الكسبة وأصحاب المحلات التجارية القاطنين في هذه المدينة، وبمبالغ مالية تصل الى (12قرش) شهرياً على أن يتم إنهاء عملية الجباية هذه بعد فترة معينة من السنين تمّ الاتفاق عليها آنذاك.
وبالرغم من انتهاء المدة المتفق عليها، فقد استمرت حكومة الاحتلال العثماني بإستيفاء تلك الضرائب، ونظراً لإرتباط هذه الحكومة بمعاهدات مع كلاً من بريطانيا الإستعمارية وروسيا القيصرية، فقد استثنت رعايا هاتين الدولتين من دفع الضرائب وطبّقتها فقط على الجالية الإيرانية التي إمتعضت من هذا التمييز، ليتحول إمتعاضها بعد ذلك الى رفض للإنصياع ومن ثم الى العصيان المدني، فالتجأ بعضاً من أفرادها حينذاك إلى القنصلية البريطانية في كربلاء، مطالبين بمنحهم الجنسية البريطانية، فلم يلبِ القنصل البريطاني طلبهم، مما دفع بهم إلى نصب خيام حول القنصلية المذكورة كإحتجاج على هذا التصرف من قبل السلطة العثمانية ممثلةً بالمتصرف آنذاك "رشيد باشا الزهاوي".
وبالرغم من محاولات كبار العلماء في المدينة لإسداء النصح الى أولئك المعتصمين، إلا أنهم لم يتنازلوا عن مطالبهم واستمروا في عصيانهم، وهو ما أجابته السلطات العثمانية بإعلان نيّتها إنزال ضربة قاضية بهم، وهو ما كان في صبيحة يوم السبت 8 رمضان سنة 1324 هـ / 1903 م، والذي شهد إنطلاق الحملة العسكرية العثمانية التي عُرفت بعد ذلك بأسم "واقعة الزهاوي" أو "واقعة شهداء عرصة كربلاء" الدموية.
يذكر أن "رشيد باشا الزهاوي" كان قد أبلغ المعتصمين في ليلة الهجوم بترك أماكنهم والعودة من حيث أتوا، إلا أن عساكره قد أقدموا عند أذان الفجر من ذلك اليوم، على شن هجوم مكثّف على خيم الإعتصام بالرصاص الحي، مما أسفر عن مصرع اثنين وتسعين شخصاً، وعشرات الجرحي الذين حملهم رفاقهم الفارّون سراً إلى دورهم، حيث قضوا نحبهم تدريجياً بسبب عدم توفّر الوسائل الطبية الحديثة، فضلاً عن قيام القوة المهاجمة بهدم الخيام بعد نهب محتوياتها.
المصدر/ بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة، ص63