سيارة الدخانية هكذا كانت تسمى أيام زمان، وهذه السيارة كانت تقطر وراءها عربية مجهزة بخزان توضع فيه مادة (الدايزينول مع الكاز) واسمها العلمي المختصر (D.D.T) لمكافحة البعوض والحشرات، وآلة ضغط ميكانيكية تعمل على الوقود (ماطور) لنفث الدايزينول باعثاً سحابة مستمرة من الدخان الابيض لغرض مكافحة البعوض والحشرات أيام الصيف.
لم تكن مهنة بحد ذاتها، بل بمثابة برنامج صحي لمكافحة مرض البلهارسيا، وكان تجوال هذه السيارة في الأزقة وشوارع المدينة عصرا حتى قبل المغيب وكانت تسير على نحو بطيء، باعثة سحائب مستمرة من الدخان، وكان آنذاك يقودها "نجومي" أحد سواق البيطرة في كربلاء، بهدف القضاء على البعوض الذي كان يُسهم في نقل عدوى هذا المرض الذي كان من الأمراض السارية الى حد ما في ذلك الوقت، وكان مبيت بعض من هذه السيارات القاذفة مادة الدايزينول أيام الخمسينيات في ساحة واسعة في منطقة العباسية الشرقية خلف حمام المشروطة وقد سميت المنطقة بالدخانية نسبة لذلك.
كان الصبية يجرون وراءها أينما ذهبت وحينما يعودون إلى بيوتهم وهم قد ملأت ملابسهم الزيت النافث من جراء الدخان المنبعث من سيارة الدخان، يأتي دور الأمهات مع الطشوتة (أواني معدنية تستخدم لغسيل الملابس) لإزالة ما علق من زيت على ملابس الأولاد في وقت لم يتعرف أهلنا بعد على الغسالات الكهربائية كما هو عليه اليوم.
المصدر / صاحب الشريفي / كتاب كربلائيون في ذاكرة التراث الشعبي ص ٢٤٩