شهدت مدن الفرات الاوسط في عهودها المختلفة بعضا من هذه الوظائف الا ان كربلاء لم تذكر من بينها لا في العهود الأولى التي كانت فيها الخلافة العباسية تتمتع بقوتها السياسية والعسكرية، فقد مر علينا كيف أن بعض الخلفاء العباسيين (الرشيد والمتوكل) ناصبوا هذه المدينة العداء ووجهوا جهودهم لإزالة القبور المقدسة للعترة الطاهرة من كربلاء، مما يقلل قيمة وأهمية كربلاء. ولكن جهودهم العدوانية ذهبت أدراج الرياح، لا بل رسخت تمسك اتباع وشيعة آل البيت الي بحبهم لأئمتهم وتعلقهم بالمدينة، فأعادوا اعمار ما خربه الطغاة، لأنها استجابة لإرادة الله ومشيئته تعالى.
ولكن ما يثير الدهشة ان امارات عربية وصفت بالولاء لآل البيت كالعقيلين (386-489هـ /996-1096م) والمزيديين (403-545هـ/ 1012-1150م) ساروا على نهج من سبقهم من الحكام في تهميش مدينة كربلاء بخصوص شؤونها العامة، علما أن كلا من العقيلين) والمزيديين نال حضوة الاعتراف والاقرار من قبل الخليفة والامير البويهي والسلطان السلجوقي بعدئذ.
ذكر ابن كثير في كلامه عن شرف الدولة مسلم بن قریش العقيلي (453-477هـ/ 1061-1084م) فوصفه بقوله: "من خيار الملوك سيرة، له في كل قرية وال وقاض، وصاحب خبر" فاذا كان له في كل قرية من الوظائف ما يغطي حاجتها من الادارة والقضاء والبريد، لوصف شؤونها العامة ونقلها إلى مركز الإمارة، الم تكن كربلاء بمستوى القرية لتنال من الحاكم العقيلي هذه المكانة؟! ولم تجاهلت الموارد إدارة كربلاء في شؤونها العامة في العصور الأولى والوسطى الإسلامية؟!.
وكان الأمراء بني عقيل نواب لهم في اعالهم يعهدون إليهم ادارتها، وكان اغلب هؤلاء النواب من اقربائهم وخاصتهم، ولم نعثر على من بمثلهم في منطقة كربلاء او ينوب عنهم) اما امارة المزيديين فكانت أكثر وضوحا في الاهتمام بالوظائف الإدارية والاقتصادية والقضائية لتنظيم الشؤون العامة في علاقاتهم الايجابية والسلبية السياسية والاجتماعية مع مركز الخلافة في بغداد او مع المتسلطين الأجانب من البويهيين والسلاجقة او مع حكام وامراء الولايات في الأطراف.
ويعد الامير صدقة بن منصور بن دبيس المزيدي الذي حكم من سنة (478-501هـ/ 1085-1108م) من أبرز الأمراء المزيديين والذي امتد نفوذه السياسي من أعالي الفرات (هيت وعانة) مرورا بمنطقة الفرات الاوسط حتى البصرة کما استولى على قلعة تكريت على دجلة وامتلك البطائح وواسطة واماكن اخرى، وقام ببناء الحلة التي هي الجامعين في سنة( 495 هـ/ 1101م) واصبحت عاصمة المزيديين، ولقبه الخليفة المستظهر (487-512هـ / 1094-1118م) بنفس السنة.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الإسلامي، ج3، ص184-191.