في خطوة تقلب المفاهيم التقليدية عن الأسماء القديمة للمدن العراقية، كشفت موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، أن مدينة كربلاء لم تكن تُعرف فقط باسمها الحالي، بل حملت تسميات أخرى تعود لآلاف السنين، من بينها الاسم السومري الشهير "نينوى"، الذي ظُنَّ طويلاً أنه حكر على عاصمة الآشوريين المعروفة شمال العراق.
لكن الحفريات والدراسات الحديثة تشير إلى أن تسمية "نينوى" سبقت الآشوريين بقرون، وظهرت لأول مرة في نصوص سومرية تعود للفترة بين (2112 - 2004 ق.م)، حيث دُوّنت رمزياً بصيغتي "نينا" و"ننوا"، في إشارة إلى "آلهة السمك"، المرتبطة بالخصب والنماء، والتي كانت تُعبد في جنوب بلاد الرافدين.
بل الأكثر إثارة، أن مدينة كربلاء نفسها كانت إحدى حواضر هذه العبادة، وقد أُطلق عليها اسم نينوى في سياق هذه الدلالة الحضارية، لا سيما في ظل انتشار معابد الإلهة "نينا" قرب مدينة "كيش"، على مقربة من كربلاء الحالية.
ويعزز هذا الرأي المأثور التاريخي الذي ورد في روايات استشهاد الإمام الحسين "عليه السلام"، إذ يُنقل أنه عندما سأل عن اسم الأرض التي وصل إليها، قيل له "يقال لها نينوى"، ما يقدم دليلاً لغوياً وروائياً على قدم تسمية كربلاء بهذا الاسم.
ومما يُضاعف من ترابط كربلاء مع التسميات السومرية والآشورية، هو أن المنطقة الممتدة من جنوب سدة الهندية إلى نهر العلقمي، والممتدة على نحو (30) كم من مركز كربلاء المقدسة، ما تزال حتى اليوم تعرف بـ "تلال نينوى"، والتي تزخر بالمواقع الأثرية القديمة.
وفي تأكيد إضافي، أشار الجغرافي الإسلامي الشهير "ياقوت الحموي" في كتابه الشهير "معجم البلدان" إلى أن "نينوى ناحية بسواد الكوفة، ومنها كربلاء التي قُتل فيها الحسين (عليه السلام)".
هذا التداخل التاريخي يُشير إلى أن كربلاء لم تكن فقط مسرحاً للشهادة والمظلومية، بل كانت أيضاً موطناً للآلهة القديمة، ومحطةً حضارية نشطة منذ عصر فجر السلالات (3000 – 2371 ق.م)، وامتداداً روحياً وثقافياً لحضارات لكش، وسومر، وآشور، وكلدو.
وتشير روايات من العهد الكلدي، إلى أن كربلاء كانت تضم معابد دينية يمارس فيها الكلديون طقوسهم، مما يعكس القدسية المتوارثة لهذه لأرض، منذ عصور الوثنية وحتى زمن الاستشهاد الأليم.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ القديم، ج1، 2017، ص36-38.