محطّ ركاب، وموضع سقيّ، وإرواء ظمأ... في طريق سارت عليه الأقدام المباركة يحدوهم الركب الى كربلاء... طريق شخصه سبط النبيّ محمد (صل الله عليه وآله وسلم) وهو يستجيب الى نداء أهالي الكوفة، غير أنهم نكروا رسائلهم فجعجع به جيش الحر ليتّخذ مساراً جديداً باتجاه مصارع الرجال وسبي النساء ... الى كربلاء.
وضعَ مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة خططه الاستراتيجية في الدراسة والبحث لمحطات هذا الطريق، والوقوف على منازل ترحال الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) التي عفاها الدهر فلم يبق منها رسم ولا أثر سوى رمال الصحراء وحجارتها المتناثرة هنا وهناك. واقتضت تلك الخطط مواصلة البحث والتنقيب والدراسة لتلك المواقع من خلال الرحلات الميدانية البحثية والمسوحات الجيوفيزيائية الحديثة والتقنيات الحديثة ودراسة الطريق من الدعامة الحدودية السعودية وصولاً الى كربلاء.
ورافق رحلات البعثات العلمية العشرات من الأساتذة المختصين في المجالات العلمية كافة، وفي طليعتهم مدير مركز كربلاء للدراسات والبحوث والهيئة الاستشارية العلمية في المركز وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار المندمجة مع وزارة الثقافة والسياحة، ووزارة العلوم والتكنولوجيا المندمجة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والعديد من الهيئات العلمية العراقية. ومن أجل الوقوف على طبيعة المشروع وأهميته.
التقينا الأستاذ عبد الأمير القريشي مدير مركز كربلاء للدراسات والبحوث في مكتبه ليطلعنا على النتائج العلمية الآثارية التي توصّلت إليها فرق البحث العلمي التابعة للمركز.
وبرعاية سديدة من قبل سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام توفيقة) المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة، شكلت اللجان البحثية في التخصصات الدقيقة المتعددة التي شملتها رحلات البحث والدراسة، وباشرنا منذ نهاية عام (2013) الخوض في غمار دراسة الطريق الذي سلكه الركب الحسيني الى كربلاء.
وفي واقع الحال؛ أن لا خلاف في المواقع الآثارية والمنازل التي سار بها الركب من المدينة المنورة الى مكة المكرمة ثم المسير باتجاه الكوفة وصولاً الى (بطن العُقبة) و(واقصة) و(شراف)، و(ذو حسم) وهو الموضع الذي التقى به الإمام الحسين (عليه السلام) بجيش الحر.
غير أن الزمن أخذ من المواضع التي تلت ذو حسم إذ تياسر الركب عن طريقه الذي يمثل طريق الحج للمسلمين بأمر الجيش ليبعدوه عن دخول الكوفة، ومن هنا؛ تواجدت مواضع مستحدثة على الطريق وإن كانت موجدة في الأصل إلا أن الزمن فعل فعلته عبر أربع عشر قرناً فلم يبق رسم لها ولا أثر إلا المسميات المتناثرة الضائعة هنا وهناك، وبعد أكثر من عشرة رحلات ميدانية واستكشافية لدراسة الصحراء الواقعة في غرب محافظة النجف الأشرف استطاع المركز أن يثبّت ضمن دراسة الأرض وعلاقات الحقائق العلمية أن يحدّد موقعين مهمّين ذكرا في كتب التاريخ وضاعاً على الأرض بفعل الفاعلون من جهة، وتداعيات الزمن من جهة أخرى. والموضعان هما (عُذَيب الهجانات) و(قصر بني مقاتل).