في رحاب مدينة كربلاء، حيث تلتقي القداسة بالتاريخ، برزت على مرّ العصور أسماء خلدها الأدب والإيمان، ومن بين تلك الأسماء اللامعة، يتصدر الحاج "محمد علي بن محمد بن عيسى الحائري"، المعروف بـ"ابن كمونة"، ذاكرة الشعر الحسيني وملاحم الولاء لآل بيت النبوة "صلوات الله عليهم".
ينتمي الحاج محمد علي إلى أسرة "آل كمونة"، إحدى أعرق العائلات الكربلائية التي سطّرت حضورها في ميادين العلم والدين والأدب، حيث هاجرت هذه الأسرة من مدينة الكوفة المقدسة في مطلع القرن الثاني عشر الهجري، لتتخذ من كربلاء موطناً ومن المشهد الحسيني قبلةً ومصدر إلهام دائم.
وُصف ابن كمونة بأنه "أديبٌ لبيبٌ، وشاعرٌ من فحول كربلاء"، كما ورد في "معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء"، وكان صاحب ديوان شعري خُصص معظمه في رثاء الأئمة الهداة "عليهم السلام"، حيث لم يكن شعره محض كلمات، بل كان زفرات تاريخ متقد، عبّر عنها بلغته الشجية:
عرا فأستمر الخطب واستوعب الدهـرا
مصاب أهلج الكرب واستأصل الصبرا
وجـاس خـلال الأرض حتى أثارهـا
إلى الجو نقعاً حجب الشمس والبدرا
هذه الأبيات ليست مجرد نظمٍ، بل مشاهد حية لكربلاء وهي تهتز حزناً على سيد الشهداء.
وبحسب صاحب "الطليعة"، فإن ابن كمونة كان "فضلاً مشاركاً في العلوم، تقياً، محباً لآل بيت محمد"، وهو ما جعله مرجعاً أدبياً وروحياً لأبناء عصره، وامتدت مكانته حتى في موته، إذ دُفن في بقعة شريفة داخل المشهد الحسيني الشريف، خلف الرأس المبارك للإمام الحسين "عليه السلام"، بجوار شقيقيه الحاج مهدي والميرزا حسن.
وما زال ديوان ابن كمونة يشكّل مرجعاً هاماً للباحثين في الشعر الحسيني، وللمهتمين بتاريخ كربلاء الثقافي، إذ يوثّق عبر قصائده مشاعر الحزن، والمبادئ التي استشهد من أجلها الإمام الحسين، بلغة راقية وأسلوبٍ يجمع بين الحماسة والحنين.
المصدر: النخبة من أدباء كربلاء، نور الدين الشاهرودي، 2005، ص17-18.