في رحاب الحضرة الحسينية، وتحديدًا قرب روضة الشهداء "رضوان الله عليهم"، يرقد رجلٌ لم يكن عابراً في ذاكرة الفقه الإمامي ولا مجرد محدث تقليدي، بل كان مدرسةً اجتهدت أن تحفظ الشريعة بهدي العترة الطاهرة، فهو الشيخ يوسف بن الشيخ أحمد البحراني (1107 – 1186هـ)، صاحب "الحدائق الناضرة"، وأحد أبرز أركان النهضة الإخباريّة في العصر الصفوي المتأخر.
وُلد الشيخ في قرية "ماحوز" بالبحرين، ونشأ في كنف أسرةٍ علميةٍ عريقة، حيث نهل من معين والده والشيخين الماحوزي والبلادي، حتى تفتّق ذهنه في الفقه والحديث وأصبح أحد رواد الفكر الشيعي الإمامي في القرن الثاني عشر الهجري.
لم تكن حياة البحراني خالية من الصدمات، فقد اضطر إلى مغادرة وطنه بعد خراب البحرين، متنقلاً بين القطيف وكرمان وشيراز، حتى انتهى به المطاف إلى كربلاء المقدسة، حيث جعل منها مركزاً لتدريسه وتأليفه، وجاور فيها حتى وافته المنية يوم السبت 4 ربيع الأول 1186هـ، ليصلي عليه الشيخ الوحيد البهبهاني ويُدفن في قلب كربلاء، التي احتضنت جسده كما احتضنت علمه.
وقد رثاه الشعراء والأدباء، وكان من أبرزهم السيد محمد الزيني الحائري، الذي أرّخ عام وفاته ببيت قال فيه:
فقضيت واحد ذا الزمان فأرخوا (قد حنّ قلب الدين بعدك يوسف)
1186هـ.
بلغت مؤلفاته حدّاً يصعب معه الإحاطة، إذ تنوّعت بين الفقه، والعقيدة، والردود العلمية، والتي كان أبرزها، "الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة" والتي كانت موسوعة فقهية اعتمدت على الروايات بشكل مكثّف، مميزة بجمعها وتحليلها بلغة علمية دقيقة.
وإلى جانب "الحدائق الناضرة"، فقد أفاضت قريحة هذا العلّامة الفذ، بمجموعة من النفائس العلمية منها "الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب"، و"النفحات الملكوتية في الردّ على الصوفية"، فضلاً عن "سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد"، و"لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين" وغيرها من عشرات المصنفات التي أدرجتها كتب التراجم مثل "أعيان الشيعة"، و"روضات الجنات"، و"نجوم السماء"، و"أنوار البدرين".
نهل البحراني من أعلام عصره، وكان حلقة وصل بين الجيل السابق له والجيل اللاحق، ومن أبرز أساتذته الشيخ حسين الماحوزي، الشيخ عبد الله البلادي، والمولى محمد رفيع الجيلاني.
أما تلامذته فقد شكلوا طبقةً علمية رفيعة منهم السيد محمد مهدي بحر العلوم، والميرزا محمد مهدي الشهرستاني، والمولى محمد مهدي النراقي، فضلاً عن الشيخ أبو علي الحائري، والسيد علي الطباطبائي صاحب "الرياض" وغيرهم.
فليس غريباً أن يُدرج الشيخ يوسف البحراني في كتب التراجم كعلمٍ من أعلام الطائفة، فقد جمعت شخصيته بين الصرامة في النقل، والاعتدال في المنهج، والصلابة في الدفاع عن أصول التشيّع.
المصدر: كامل سلمان الجبوري، وثائق الحوزة العلمية في كربلاء منذ نشوئها حتى عام 1444هـ / 2023م، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، ج1، ص30.