مثلت كربلاء محوراً لأقطاب ومواقع وجبهات الثورة العراقية الكبرى (ثورة العشرين) ومركزاً لقيادتها الوطنية الإستقلالية، فقد كان لمكانتها الدينية والروحية في قلوب الناس أكبر الأثر في تسنّمِها الدور الريادي لهذه الثورة، كما كان الدور الذي قام به المرجع الكبير الميرزا محمد تقي الشيرازي (قدس) كبيراً ومؤثراً في توجيه الثوار ورسم مسارات الثورة وتعبئتها ورفع معنوياتها.
اندلعت الشرارة الأولى لهذه الثورة من كربلاء بالفتوى التاريخية التي أطلقها الميرزا الشيرازي في (23/1/1919)، والتي حرّم فيها على المسلم أن يختار غير المسلم لحكم البلاد وهي نصّاً: (ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين)، وقد وقع على هذه الفتوى سبعة عشر رجلاً من علماء ووجهاء وأشراف كربلاء. وبذلك أصبحت كربلاء مهداً للثورة وحاضنة لها ومحط أنظار الثوار في عموم العراق.
وكانت بريطانيا تريد إجبار العراقيين على انتخاب (السير برسي كوكس) المندوب السامي البريطاني ليكون رئيساً لحكومة العراق. فأصدر الشيرازي فتواه التي كانت بمثابة الرفض القاطع للإحتلال الإنكليزي وتجريده من أية سلطة على العراقيين والإعلان الحاسم بوجوب الجهاد المسلح ضده وضد مخططاته التي خبأها وراء هذا الاستفتاء الصوري الذي نظمه والذي أراد من خلاله استطلاع آراء الشعب العراقي حول مستقبل بلاده التي خرجت من السيطرة العثمانية، فانطلقت هذه الفتوى من كربلاء لتعبر عن رغبة الشعب العراقي في التحرر والإستقلال ولتمثل جبهة القيادة العليا في العراق المتمثلة بالميرزا الشيرازي.
وكان الشيرازي قد عاد إلى كربلاء في (23/2/1918) بعد مغادرته إياها إلى سامراء وإقامته مدة طويلة فيها، درس خلالها على يد المرجع الكبير الميرزا المجدد محمد حسن الشيرازي، فشهدت كربلاء بقدومه إنعطافة تاريخية مهمة تركت أثراً كبيراً في تاريخ العراق السياسي فقد أصبح المرجع الأعلى للشيعة بعد وفاة السيد كاظم اليزدي في (3/4/1919).
يتبع....