الجمعة 14 شعبان 1411 هـ 11 / 3 / 1991 م
شهدت المدينة ـ كربلاءـ كعادتها كل عام ازدحاماً هائلاً من الزائرين بمناسبة زيارة النصف من شعبان التي تعرف بليلة المحية، ويصادف فيها ولادة الإمام محمد المهدي الحجة(ع)، وقد اكتظ الصحنان المقدسان بالزوار أيضاً، وفي هذه الليلة يحيي الناس طقوسهم يقظين حتى الصباح ابتهاجاً بمولد صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ولما كان المرجع الديني الأعلى الإمام أبو القاسم الخوئي قد زار الصحن الشريف الحسيني، وهو جالس في سيارته عند إحدى أبواب الصحن التي تعرف بـ (باب الرأس الشريف)، طلب منه الزائرون أن يفتي بالجهاد فلم يرد عليهم، ولم يمكث سوى فترة قصيرة من الزمن، حتى عاد متوجهاً إلى النجف الأشرف حيث مقر إقامته ومستقر مقامه.
الأحد 16 شعبان 1411 هـ / 13 / 3 / 1991 م
روى شاهد عيان إنه تمّ تشييع أخوين كانا قد استشهدا في أرض المعركة بالكويت، وجيء بهما إلى كربلاء، المشيعون دخلوا الصحن الحسيني وهم يهتفون خلف الجنازتين بهتافات دينية ملفتة للنظر، وعند مرورهم بصحن سيدنا العباس عليه السلام حدثت مشادات عنيفة بين رجال الأمن والشرطة من جهة، وبين المواطنين من جهة أخرى، ولدى خروج المشيعين من صحن العباس (ع) وعند باب العلقمي (الفرات) هتف أحد المشيعين بسقوط نظام الحكم، فما كان من أحد رجال الأمن إلا وصوّب نحو ذلك الشخص الذي هتف وقام بإطلاق عيارات نارية سقط على إثرها شهيداً، وفي الوقت نفسه أطلق شخص مقابل له رجل الأمن بعيارات نارية فأرداه قتيلاً، فسقط الاثنان ميتين، ومن هنا اتسع ميدان المعركة وبدأ الغضب الجماهيري المثير للشعور، مما أدى إلى إحداث قلق وبلبلة في المدينة.
كان ذلك الحادث إيذاناً ببدء ثورة عارمة حتى لم تعد أخبارها تنطلي على أحد، ولا أكتمك إنها كانت بداية الانتفاضة، فتهيأ الناس للاستعداد للانتفاضة التي بدأت ظهر يوم الثلاثاء.
الثلاثاء 18 شعبان 1411هـ ـ 15 / 3 / 1991م
في حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر هبت موجة عارمة من الناس في تظاهرة قيل إنها قادمة من عدة مداخل من طريق باب طويريج، من طريق النجف، ومن طريق بغداد، وكانت متجهة نحو بناية المحافظة (السراي) فأمطروها بوابل النيران، وأحرقوا البناية ودمروها، ثم اتجهت المظاهرة نحو الفرع (فرع قيادة الحزب) حيث اتسعت وتعاظمت، فاشتبك المتظاهرون مع الحرس، وأخذوا يهاجمون البناية بالقذائف وأخرجوا منها أنواع الأسلحة والعتاد، وكان صوت الرشاشات، والطلقات النارية لا ينقطع، وصلت الأخبار عن طريق الأشخاص والسيارات إلى كافة أحياء المدينة، وسارت المظاهرة حيث انضمت إليها جموع شتى من الجماهير واتجهت نحو دائرة الأمن، ودائرة المخابرات الواقعتين في شارع الوحدة العربية (طريق كربلاء ـ المسيب)، أما دائرة الأمن فقد تصدى الحرس لمحاولة منع دخول المتظاهرين، فاشتبكوا معهم في معركة ضارية، وبعد القصف المكثف سلَّم موظفوها وحرسها الأسلحة للمتظاهرين المجاهدين، فدمروا أبواب السجون، لكن قسماً من الرفاق الحزبيين ظلوا يقاومون، وانتهت مقاومتهم لعدم وجود ذخيرة لديهم فقتل من قتل، والقسم الآخر رمى السلاح جانباً وسلم نفسه وأعدم بعد ذلك، أما المحافظ (غازي الديراوي) فقد هرب إلى جهة غير معلومة، ونجا بأعجوبة، لكن داره قد هوجمت من قبل الثوار وأحرقت ونهبت محتوياتها، أخرجت السجلات من دائرة الأمن بعد أن أحرق بعضها، في حين اتجه قسم من المعارضين إلى دائرة المخابرات التي بقيت عرضة للمقاومة والضرب العنيف بالأسلحة الفتاكة، حتى فرَّ قسم منهم عن طريق بساتين (فدان السادة) ، والبعض الآخر قتل في الحال، استمر الضرب المكثف لمدة ثلاثة أيام (الثلاثاء ـ الأربعاء ـ الخميس) حتى سقطت المدينة بين أيدي الثوار، وبذلك أظهر الشباب المتحمس مقدرة فائقة وبطولة نادرة في اقتحام هذا المبنى المخيف، لأنهم غير مؤمنين بالحرب، وما كانوا مهيئين لها من قبل.
المصدر :
موسوعة كربلاء المقدسة، الانتفاضة الشعبانية في كربلاء شعبان 1400 هـ ـ آذار 1991 م، ص15-17.