الغدير.. والحرب الناعمة
بقلم/ محمد طهمازي
إن تواطؤ الآلاف للحيلولة دون تنفيذ وصيَّة نبي، أو تسنّم قائدٍ أو وصيِّ نبيٍّ لمركزه التنفيذي يُعَدُّ أمرًا يستغربه البعض ويعتبرونه مستحيلاً وغير منطقي وأقصد حال آلاف الصحابة الذين شهدوا بيعة غدير خُمّ يوم أمرهم الرسول r بأمر الله بتنصيب الإمام علي بن أبي طالب u ولي أمر الأمة الإسلامية وارتدّوا عن تلك البيعة بعد شهادة النبي محمد r. في ذات الوقت لا يبدي هؤلاء أي استغراب ولو للحظة وهم يقرأون آيات الله في محكم تنزيله وهي تروي الكثير من قصص الأقوام التي أنزل الله غضبه عليهم وبطش بهم وأزالهم عن الوجود وأحال ديارهم وممالكهم لركام وهم أقوام أو أمم ولم يكونوا أفرادًا أو مجموعات محدودة العدد كما حصل مع عاد وثمود وقوم نوح وقوم لوط حيث قال تعالى "فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ" سورة هود :82. وهنا نحن أمام عقاب أصاب أممًا أجمعت وفق حالة من السلوك الجمعي الأعمى على معاندة أمر الله وتجاهلت نُذُرَه ورُسُلَه وأصرت على الضَّلال معتصمةً بحبل الشيطان بدل حبل الله.
إن هذا الإنكار والمحاولات الدؤوبة لتحريف حقيقة ناصعة كشمسِ ذلك اليوم الذي أوقف فيه الرسول r تلك الآلاف ليُشْهِد الله عليهم بتبليغه أمرهُ الذي أتمَّ به دين الله ونعمته, "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"المائدة:67, "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا "المائدة:3, ويكون هو الشّاهد والمبشِّر والنذير, إن هذا الإنكار هو حرب إعلامية توارثها الخلف عن السلف جيلاً بعد جيل وكأنهم يؤدون فريضة, نعم هي فريضة حينما يكون الميزان معوجًّا وقتها تصبح الحرب على الله ونبيِّه ووصيِّه وآل بيته فريضةً واجبةً وتصبح طاعتهم ونصرتهم من الخطايا. ولا يكتفون بذلك بل يهاجمون من يُحْيي ذكرى بيعة الغدير ويتهمونه بالبِدعة وينسون احتفالهم بنجاة موسى وقومه اليهود من فرعون ذاك العيد البِدعة المفبرك الذي لا دليل في سنة النبي عليه ولا في قرآنه بل وليس من دليل على توقيته الذي اختير بشكل مفضوح ليأتي بعاشر من محرم زائف ليغطي على العاشر من محرّم الحقيقي, عاشوراء المذبحة التي ارتكبها الطاغية يزيد ضد الإمام الحسين u وأهله وأصحابه في حلقة تستكمل وتواصل أدوار الحرب على أهل البيت وسلبهم لحقوقهم وارتكاب كل الجرائم بحقهم, والإمعان في العصيان والحرب والعداء لله ورسوله ووصيه وآله عليهم صلوات الله وسلامه.
حين نقرأ التاريخ ببصيرة واعية نجد أنفسنا أمام مؤسسة إعلامية وإن بَعُدَ بها الزمان لكنها كانت تستخدم كل ما لديها من أدوات تشويهٍ وتعتيمٍ وقلبٍ للحقائق وتطوِّر أدواتِها مع الوقت بذات أساليب الحروب الإعلامية التي نشهدها في عصرنا هذا مع الفوارق التي وفرتها التقنيات وإبداعات مدارس وخبراء الحرب الناعمة، وأمام أناس نُزِع العقل من رؤوسهم والإيمان من قلوبهم كما نُزِعَت الرحمة فانطلقت أيديهم وألسنتهم ترعى في حقول الباطل تلتهم آثامهم وآثام الذين سبقوهم.. حينها يحضرنا قول الله تعالى في سورة عمران:144"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"..
جعلنا الله وإياكم من الشاكرين الثابتين على بيعة أمير المؤمنين u ونهجه وأخلاقه وأبعدنا عن منهج أعداءه.