(الأربعين.. تداعيات في أسطرة رؤى الماضي والحاضر) ح3
بقلم/ محمد طهمازي
إكمالاً لما ورد في الحلقتين السابقتين نصل إلى الأنواع التي تنقسم إليها الأسطورة وهي كالتالي:
1- الأسطورة التكوينية: وهي التي تتضمن تصوّر تلك المجموعة البشرية ضمن نطاق جغرافي معيّن لعملية نشأة وتكوين الكون.
2- الأسطورة التعليلية: وهي التي حاول الإنسان القديم عبرها أن يُوجد تعليلات أو فهمًا لظاهرة جلبت انتباهه أو مسّت حياته ولم يجد لها أي تفسير منطقي أو علمي وفق رصيده العلمي في تلك الأزمنة ولهذا راح ينسج لها حكاية أسطورية تعطي شرحًا لها أو تكشف عن سرّها المسبّب لوجود هذه الظاهرة.
3- الأسطورة السياسية: وهي تلك التي تمنح أصلاً أو تبريرًا لسلطة أو حاكم ما وفي الغالب يكون من نسل الآلهة أو من تزاوج أحدها مع عنصر بشري أو تنبأت بقدومه أو ولادته الآلهة.
4-الإسطورة التاريخية: عبارة عن مزيج مِن التاريخ والصياغات الأدبية وحتى الخيالية.
5- الأسطورة الرمزية: تتناول رمزًا ماديًا أو معنويًا أو شخصيّة ما سواء وُجِدت قبل ذلك أم أنها اختُلِقَت ثم نُسِج عليها سردٌ قصصي يستمد من الواقع قواعده وينتقل منها إلى الخيال.
6- الأسطورة الطقوسية: تُتمثل في الجانب اللغوي أو الكلامي لطقوس فعل معين مِن شأنه أن يؤمن للمجتمع الأمان والحرية والاستقلال والمنعة أو يعدهم بالرخاء.
إن زيارة الأربعين بكل مفاصلها وتفصيلاتها, كما نرى, تجتمع فيها الأنواع الثلاثة الأخيرة من البنى الأسطورية وهي (التاريخية والرمزية والطقوسية) في توليفة نادرة ومختلفة عن أي حدث تاريخي أو طقس ديني أو بنية رمزية سابقة أو لاحقة في حياة المجتمعات والشعوب.. فهي تتطرّق أولاً إلى تاريخ عصر من العصور، ومجموعة من البشر الذين أتوا في زمن من أزمنة ذلك العصر، وعاشوا حادثة أو صنعوا حادثة معينة، وهي هنا فعل تاريخي ونتيجة فعل تاريخي ترك بصمة في التاريخ وفي حياة جنس أو مجموعة من الأجناس البشرية التي تحمل صفات معينة، وتؤمن بمجموعة من الأفكار والمعتقدات التي ظهرت في ذلك الزمن، ولم تتوقّف عنده. وقد تعرضت هذه المجموعة البشرية بغض النظر عن عددها وعدد أتباعها إلى عملية قمع ديني في أول الأمر وقمع لحق التعبير عن الرأي وقمع لحرية الإيمان والاعتقاد وممارسة الطقوس الدينية وامتد هذا التغييب ليشمل كل مساحة أتباعهم عبر مئات من السنين تجاوزت الألف والأربعمائة سنة, حتى يومنا هذا.. واتخذ هذا القمع شكل التغييب ابتداءً من تغييب الرأي والعقيدة وانتهاءً بتغييب البشر أنفسهم عبر عمليات ممنهجة من التطهير العرقي وجرائم الإبادة الجماعية.. أي أننا هنا نتعامل مع قوة ضاغطة وقمعية تستهدف حياة هؤلاء الناس ومفردات عيشهم وأبسط حقوقهم في الحياة مستندة للموقف أو للحدث التاريخي, بالتالي نخرج من محدودية الحدث التاريخي الفارق المحصور في توقيت زمني مضى إلى فعل وليس أثر مستمر يتخذ بشدة شكل الصراع الوجودي!
يتبع ..