شكَّل التاريخ رافداً مهماً من الروافد الثقافية للأدباء والشعراء والخطباء؛ لذلك عُدَّ مرجعاً مهمّاً للخطاب الحجاجي بما يملكه من سلطة تعتمد الوثائق الموصوفة بالإسناد، والمعتمدة على تنضيد وثائقي معترف بأهميته. فالتراث من ضمنه التاريخ هو الجذر الذي يمتد في القوم، بوصفه منجزاً حضارياً وروحياً وإبداعياً في داخله.
ولذلك فإن الاستعانة بهذا التاريخ وحوادثه تضفي للنص قيمة جمالية من خلال انفتاحه على أحداث تاريخية مليئة بالدلالة والقصد، فتضع النص داخل سياق يسهم في فتح مغاليق النص الإشاري.
وإذا عدنا إلى تاريخ انطلاق مسير الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء؛ نجد أنه كان تاريخاً مليئاً بالأحداث التاريخية، والمنازعات، والانشقاقات الفكرية، والسياسية التي ألقت بظلالها على طبيعة الخطاب الموجه.
ولهذا كانت معظم خطب الإمام الحسين عليه السلام في مسيرته الخالدة تعج بالوسائل والطرق الإقناعية التي أثَّرت في الأفكار، مما انعكس إيجاباً على الخطابِ وَحُجِّيتِه.
ولهذا نجد أن المرجعية التاريخية أضفت على الخطاب دلالات عدة أبانت لنا الحدث التاريخي بشكل واضح. ومن هذه النصوص بعض ما قاله الإمام الحسين عليه السلام من خطبته يوم عاشوراء أمام الأعداء بعد أن وعظهم في خطبة سابقة، فقام خطيباً بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وذكر الله بما هو أهله، وصلّى على محمد وآله، وعلى ملائكته وأنبيائه، ثم قال: " أما بعد: فانسبوني فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحق لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألستُ ابنَ بنتِ نبيِّكم وابنَ وصيِّه وابنَ عمه وأوَّلَ المؤمنين بالله؟ أوَ ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدّقتموني بما أقول – وهو الحق – والله ما تعمدت كذباً مذ علمت أنَّ الله يمقت عليه أهله ويضربه بمن اختلقه، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي، أفما هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟".
ولم يكتف عند هذا الخبر (الحديث) بل جاء بمؤكداته فذكر أسماء الصحابة الذين سمعوا هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وآله وهم (جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك).
وهنا تبدو البرهنة الإقناعية التي أرادها الخطيب أن تصل إلى أذهان الناس بالاستدلال بالمرجعية التاريخية لإقناع المُخاطَبين.
المصدر: الأستاذ الدكتور حسن حبيب الكَريطي، جزء من مبحث مطوّل بعنوان (مرجعيات التناص الحجاجي في خطب الإمام الحسين عليه السلام)، دراسات في الأدب الإسلامي)، من إصدارات مركز