فاهم العيساوي / النجف الأشرف
(المسرحُ التحفيزيُّ) وهو مسرحٌ ملتزمٌ داخلَ المجتمع، ظهرت هذه الصيغة المسرحية وتطورت نتيجة عواملَ عِدَّة؛ منها الصراعات أو الحروب الإثنية إلخ)، وأهم تأثير مباشر أدَّى إلى ظهور المسرح التفاعلي هو ظهورُ المجتمعات المدنية والبحث عن أفق أو سبل موازية لمكافحة المشكلات في العالم. كان المسرح التفاعلي من الناحية المسرحية وليد صِيَغٍ مسرحية سبقتْهُ مثلِ المسرح التحفيزيagit -prop والمسرح السياسي والمسرح الشعبي والمسرح الوثائقي ومسرح الشارع ومسرح العصابات، وكلها صيغ مسرحية ظهرت قبل قرنٍ تقريباً وتطورت مع كتّابٍ ومخرجينَ ومنظّرين ورجالاتِ مسرح أَثَّرُوا في الحركة المسرحيةِ في العالم.
وهنا وقبل تعريف المسرح التفاعلي لا بد من التوقف عند أعمال المسرحي البرازيلي (أوغستو بوال) الذي ابتدع صيغة مسرح المضطهد وأطلقها على تجربته المسرحية التي قام بها بدايةً في البيرو وفي بقية دول أمريكا اللاتينية في السبعينيّاتِ من القرنِ الماضي، وقد قدَّم معالجةً نظرية لتجربته في عدة كتب منها "مسرح المضطهد"، "قف إنه ساحر". في هذه النصوص، التي استوحى منها أغلبُ العاملين في مجال المسرح التفاعلي فيما بعد، يضع بوال أسساً لجمالية مغايرة ولوظيفة جديدة للمسرح.
أُسُسُ المسرحِ التفاعليِّ وعلاقتُها بالشعائر الحسينية
تُحَدَّدُ أسسُ المسرحِ التفاعلي كما يقول د.ماري الياس بفكرتين أساسيتين هما:
أَولاً: اختلاف هذا المسرح عن المسرح التقليدي من حيث توجهه فهو مسرحٌ موجَّهٌ في الأساس (سياسياً أو اجتماعياً) وهذا ما نلحظهُ في الشعائر الحسينية كالمشاعل التي تقام في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، والتي ترمز لحال الفزع والخوف الذي خيَّم على عيال الإمام الحسين عليه السلام من أطفال ونساء ليلة العاشر من المحرّم، وهم يعرفون مصيرهم المحتوم في اليوم التالي.
ثانياً: من حيث عَلاقتهِ بالجُمهور، فهو يتعامل مع المتفرج بطريقة مختلفة عندما يُحَدِّدُ سلفاً نوعيةَ هذا المتفرج، ويتوجه إليه مباشرة مدركاً ما يريده منه.وهذا أيضاً ما يحدث في مواكب العزاء وتمثيل واقعة الطف، والتي تسمى عند العراقيين بالــ (التَّشابيه) أو (الدائرة)، إذ إنَّ الجمهور يتفاعلُ أَيَّما تفاعلٍ مع هذه القضية.
وما اندفعَ كثيرٌ من شبابِنا للدفاع عن الوطن ومقاتلة (الدواعش) من خلال فتوى الدفاع الكفائي للسيد السيستاني حفظه الله ودام ظله لولا أَنَّ الكثير منهم قد انخرطوا في مواكب العزاء الحسيني التي علمتهم كما علمتنا معنى الوقوف بوجه الظالم.
لهذا فإن علاقة المسرح التفاعلي مع القضية الحسينية، والمكان وكل مكونات العرض المسرحي تختلف جذرياً عن المسرح التقليدي.
المسرح التفاعلي والمسرح التقليدي:
أهم أسس هذا المسرح هي الرغبة بالخروج من المسرح من قالبه التقليدي وعلى مستويات عدة ومنها:
أولاً: المكان: فهذا المسرح لا يُقَدَّمُ في صالات المسرح التقليدية.
ثانياً: الجمهور: فهو يَكْسِرُ العلاقةَ المتفق عليها والتي تفصل بين الممثل والمتفرج وبين الخشبة والصالة وبين المرسل والمتلقي. بحيث يبدو أنَّ على المتفرج أن يتورطَ في اللعبة المسرحية في كل مراحلها وأن يناقش ما يراه.
ثالثاً: وظيفة المسرح: إنه مسرح يعتمد على مبدأ الارتجال واللعب، ويحاول أن يحافظ على مبدأ المتعة (أي متعة المتلقي) ويقلب أسس المسرح التقليدي من أجل فتح حوار مع متلقيه حول موضوع محدد. (وهذا يعني دخول تعديلات جوهريةٍ على مبدأ النص المسرحي وعلى مبدأ العرض المسرحي ومهمة الممثل وأدائِهِ، وحتى على الحدودِ التي تفصلُ بينَ المسرحِ وأنشطةٍ أخرى قد لا تسمى مسرحاً أصلاً.
ونتج عن ذلك أيضاً تطويرٌ في المواضيع المطروحة، وهنا يبرز الشيءُ المثيرُ في الموضوع فلا وجود أصلاً للنص التقليدي والموضوعات التي تُقَدَّمُ ترتبطُ أساساً بالأمور الحيوية التي يعيشها المتلقي.
انطلاقاً من هذه الأسس الأولية تعددت صيغ هذا المسرح وأشكاله باختلاف الزمان والمكان.
في المقابل تطورت بعض المفاهيم كلعبة الأدوار ومفهوم اللعب (اللعب الدراميjeu dramatique ) وبَدَأَ هذا التطور يدخل على مفهوم التعليم وبناء الشخصية، وارتبط أكثر بأكثر بالتوجه إلى المتلقي الفرد وصولاً إلى فرديته (ضمن الجماعة بالتأكيد). وهو يُسْتَخْدَمُ في المجالات التربوية والنفسية والاجتماعية.