د. علي حسين يوسف
1. الخلاصُ الإلهيُّ، رحلةٌ نحو الوجود
قال اللهُ سبحانه وتعالى: "وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِله إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" تتضمّن الآية أكثر من ثنائيّة توافقيّة أو جدليّة، فهي أوّلاً تعكس حالة من الوجود والغياب، حيث كان يونس ع مغيّباً في البحر لكنّه كان حاضراً بروحه ودعائه لله. هذا يشير إلى الوجود والعدم، وكيفية تناوبهما على الإنسان وتجربته.
وعندما توجّه يونس بدعائه لله في الظلمات، برز العقل كأداة للبحث عن الحقيقة والوحدانيّة. وهذا يعكس الجانب الفلسفي للإيمان وكيفيّة توجيه العقل نحو الحقّ والوجود الإلهي.
وحين أدرك يونس عليه السلام تسرعه ونسيانه لرحمة الرب ساعة الخوف، تجلّى حينها الصّراع بين الخطيئة والتوبة، وكيف يمكن للإنسان أن يتجاوز أخطاءه ويسعى نحو الخلاص والنّجاة.
وحينما كان في حالة من العزلة في بطن الحوت، لم يفقد الأمل بالله وبخلاصه. وقد انعكست العلاقة بين الإنسان والعالم الخارجيّ، وكيف يمكن للإنسان أن يحافظ على الرّوح المتأمّلة والتّفاؤل حتّى في أصعب الظروف.
وهنا نجد بعداً روحانيّاً عميقاً يمكن استكشافه لفهم الخلاص الإلهيّ وتأثيره على الإنسان والوجود بشكلٍ عام.
2. النعمة الداخلية
قال تعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
للوصول إلى جمال الرّوح والنّعمة الدّاخليّة، ينبغي التوجه نحو الدّاخل، إلى عالم الذات والروح، حيث تنبع الحكمة والسلام الداخلي. ففي عالم مليء بالضّجيج والتّشتت، يكمن السرُّ في قدرتنا على الهدوء والتأمل، لاكتشاف عمق الذات وجمالها الحقيقي.
قد يكون من السهل الاهتمام بالجسد والعقل، من خلال زيارة أطباء التجميل والتعلم في الجامعات، ولكنّ الاهتمام بالنعمة الداخلية يتطلّب جهداً أعمق وأكثر تركيزاً. إنّها رحلة داخليّة، تتطلّب التفكير العميق والتأمّل في عمق الذات.
المؤمنون والحكماء قد يقدّمون لنا الإشارات والتوجيهات، لكنّ الرحلة إلى الدّاخل تبقى رحلة شخصيّة. فكل فرد لديه قصته ومساره الخاص، ومن الضروري عليه أن يسافر في هذا الطّريق بنفسه، ويكتشف عالمه الداخلي الفريد.
التأمل هو السبيل الوحيد لتحقيق النعمة الداخليّة والجمال الروحيّ. عندما نسترخي في لحظات التأمّل، نعبّر عن أعماقنا ونتواصل مع جوهر الوجود. تصبح الحياة مليئة بالنّعمة والجمال عندما نبحر في عوالمنا الداخليّة، وكلّ ما نلمسه يتحوّل إلى ذهب، حيث يتجلّى أمامنا عالم جديد من الفهم والتقدير.