اشار ممثل المرجعية الدينية العليا، في خطبة الجمعة، اننا في الوقت الذي نودع فيه موسم عبادي زاخر بالتقرب الى الله تعالى كشهر رمضان المبارك، فاننا سنستقبل موسم عبادي اخر صبيحة يوم عيد الفطر المبارك، مبينا ان وصف اليوم "بالموسم" يتضح من خلال الاحاديث الشريفة التي بينت كيفية احياءه وفق ما يحبه الله تعالى لا كما تحبه الانفس.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة (15/6/2018)، ان العيد يمثل ظاهرة اجتماعية تمارسها الكثير من الشعوب والامم ، فانه بمجرد حصول نجاح او ظفر او انجاز لدى الانسان سواء اكان فردا او مجتمعا فتحل لديه نزعة انسانية للتعبير عن فرحته وسروره بتحقيق ذلك الانجاز والظفر والنصر، مبينا ان ذلك التعبير يتعلق تارة باصحاب دين او قومية او شعب معين، مؤكدا ان هذا التعبير في العيد لدى المجتمعات بصورة عامة وان هنالك فرق في العيد بين المفهوم والنظرة الاسلامية والعيد لدى الامم والشعوب الاخرى يتم استكشافه من خلال الروايات والاحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام.
واضاف ان المقصود بالاحتفال بالظفر والنجاح والنصر يأتي نتيجة لما تحقق في شهر رمضان المبارك الذي يعد موسم عبادي كامل ومحكم يتصف بالغزارة والغنى في الجوانب العبادية والروحية، مستدركا ان الله اراد من الانسان فيه ان يكون صلبا امام الشهوات والمحرمات والغرائز فضلا عن تحصين ملكة التقوى والاخلاق الحميدة له وان يكون له قلب رحيم وحنون وعطوف ازاء الفقراء والمحرومين ففرض عليه الجوع والعطش ليتحسس معاناة الفقراء الذين لايجد الكثير منهم عند افطاره شيئا من الطعام ليشبع به جوعته، مبينا ان الله تعالى اراد من المتمكن ماديا ان يتحسس هذه الالام فينطلق قلبه بالرحمة نحو الطبقات الفقيرة والمحرومة، فضلا عن ارادته في ان ينتقل الانسان من خلال الصيام بروحه وقلبه الى عوالم الاخرة التي فيها جوع وعطش اشد من الجوع والعطش في عالم الدنيا.
وتابع الشيخ الكربلائي ان الغزارة في المجال العبادي لشهر رمضان تجلب النصر للمؤمن على الشيطان من خلال الانتصار على شهواته وغرائزه ورغباته، وان المؤمن والامة المؤمنة في اخر يوم من شهر رمضان يعيشون اعظم انتصار كونهم وفقوا واتموا هذا الموسم العبادي بنجاح، فتنزع نفوسم كبقية البشر للتعبير عن النصر والظفر، موضحا ان المشرع الاسلامي ينبه الى ضرورة الالتفات الى ان التعبير عن الفرح والابتهاج بالنصر كبقية البشر يجب ان لايكون كالتعبير الذي تمارسه الشعوب او الافراد عن طريق امور محرمة وعبثية تخلو من الهدف، مؤكدا ان الله تعالى يريد ان يكون لذلك التعبير غاية تتعلق بديمومة الوصول الى الهدف والاتصال بالله تعالى الذي جعل من يوم عيد الفطر المبارك موسما عباديا اخر لتدوم ملكة التقوى وحالة التواصل مع الله، مشددا على ضرورة تحصين الفرح من ان لايكون بلا هدف وغاية تتناسب مع غاية خلق الانسان ووجوده في الارض.
واردف ان للعيد في الاسلام سواء اكان عيد الفطر او بقية الاعياد الاخرى نشأة وهدف وغاية يجب فهمها، فضلا عن ضروة معرفة كيفية احياء مراسم العيد، مبينا ان ائمة اهل البيت عليهم السلام لم يتركوا هذا الامر من دون توضيح وتفصيل بل بيّنوا من خلال الاحاديث التي وردت كيف يعيش الانسان هذا العيد، موضحا ان أول الامور التي يجب ان يعيشها الانسان المؤمن في يوم العيد هي حالة الخوف والقلق والتوجّس في انه لا يدري أقُبل منه الصيام حتى يشكر الله تعالى أم لم يُقبل منه حتى يستغفر الله تعالى ويطلب منه العفو، مبينا ان على الانسان المؤمن ان لايكون فرحاً بانتهاء شهر الصيام واكمال الصيام فيتوقع ان كل شيء انتهى وقد قُبل منّه الصيام وسُجّل له وسقط عنّه التكليف بجميع آثاره، مستشهدا بما ورده في احدى خُطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المعنى، وكذلك ماورد عن الامام الحسن (عليه السلام) في احدى الروايات في انه مرَّ يوم عيد الفطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال: (إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته الى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب – كل العجب- من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الله الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه، والمسيء مشغول بإساءته)، مبينا ان على الانسان إمّا ان يشكر الله تعالى لانه قبَلَ صيامه، او ان صيامه لم يقبل فعليه ان يستغفر الله تعالى بحرقة قلب ويعيش حرقة الندم على ما صدر منهُ من التفريط.
واستدرك ممثل المرجعية الدينية العليا ان من بين الامور المهمة التي يجب على الانسان ان يعيشها ويتحسسها في بداية يوم العيد خصوصا حينما يخرج من منزله ويتوجه مع الاخرين على شكل جماعات الى موقع صلاة العيد والى مرقد الامام الحسين (عليه السلام) للزيارة، تتمثل بضرورة الالتفات ان من جملة الاهداف العظيمة للممارسات العبادية وعلى رأسها ان الله تعالى اراد ان يذكّر الانسان دائماً بأهوال يوم القيامة وبالآخرة وان يعيش المؤمن دائماً الحالة التي يكون عليها في عرصات يوم القيامة، مذكرا انه في يوم العيد لا تنسوا يوم القيامة ولا تنسوا أهوال الآخرة، مستشهدا بما ورد في خطبة عيد الفطر لأمير المؤمنين (عليه السلام) التي جاء فيها (أيها الناس إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون وهو أشبه بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم الى مصلاّكم خروجكم من الأجداث الى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم الى منازلكم رجوعكم الى منازلكم في الجنة او النار..، واعلموا – عباد الله- إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا – عباد الله- فقد غُفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون).
ونوه الشخ الكربلائي ان الاسلام حث على ان تكون صلاة العيد جماعة، وان من بين الامور المهمة في يوم العيد والتي يتأمل من الجميع الاجتهاد لتطبيقها تتمثل في ان الانسان بطبعه حينما يعيش اجواء الفرح والسرور ينفتح قلبه على اخيه فينسى ما بينه وبين اخيه من مشكلة وتجاوز واساءة ويبتدئ فيلقى اخاه بالمصافحة والمعانقة والسماح له والمغفرة لما صدر منه وبالتالي تعود العلاقة الطيبة بين المؤمنين، وفي نفس الوقت هذا التصافح والتعانق والتلاقي يقوي الآصرة الاجتماعية، مبينا ان هذه الاجواء هي أدعى وأقوى في تنقية العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين فيتماسكوا وتتراص صفوفهم وتقوى علاقاتهم الاجتماعية، مشددا في حديثه ان على الجميع حينما يتوجهون الى الصلاة او حينما يسيرون في الشوارع ويلتقون في البيوت فليتصافحوا وليتعانقوا وان يلاقي كل منهم اخاه ويبتدئ بمصافحته ومعانقته لكي يسود الانسجام والايمان بين المؤمنين وتقوى العلاقات وهكذا اراد الله تعالى ان نُحيي يوم عيد الفطر بهذه الاجواء التي تصفى فيه القلوب.
وقال ممثل المرجعية الدينية العليا ان على الجميع ان يبتدأ يوم العيد بالنظر لقلبه اولاً فاذا وجد فيه شيء من الحسد فليحاول ان يقلعه او شيء من النفاق فليواجه اخاه المؤمن بابتسامة ولسان طيب دون ان يُضمر في قلبه شيئاً من العداوة والكُره اليه وان يبتعد عن الغيبة والنميمة والطعن.
ونبه الشيخ الكربلائي الى ضرورة ان يتنبه الاخوة المؤمنين ان هناك من الشُهداء الأبرار الذي ضحّوا من أجل ان يدوم هذا المجمع ومن اجل ان يبقى هذا الاجتماع الايماني، ومن اجل ان تُحفظ مقدساتنا وان تُصان أعراضنا، مؤكدا على ضرورة عدم نسيان عوائلهم فإنهم في مثل هذا اليوم في السنين السابقة كانت الفرحة والبهجة والسرور تحوطهم وان رب العائلة وان كفيل العائلة وان حامي العائلة يعيش بين أظهرهم، مستدركا في انهم الآن يلتفتون يمينا ويسارا فإذا برب العائلة وكافل العائلة تحت التراب مضى شهيداً مضرجاً بدمائه من أجلنا ومن اجل مقدساتنا واعراضنا فهؤلاء الشهداء وهؤلاء العوائل والايتام وهؤلاء النسوة والرجال الذين انتجوا بتربيتهم ودينهم هؤلاء الابطال الذين ضحّوا لهم حق عظيم علينا.
واكد ان على الإخوة المؤمنين والمؤمنات ان يلاحظوا ويُراعوا في يوم عيدهم زيارة وتفقد عوائل الشهداء وعوائل الايتام ويحوطوهم بالبسمة والرعاية والتكريم والتحسيس لهم انه اذا كان رب العائلة واحدٌ قد ذهب فهناك العشرات من الاباء الذين سيحفظون لهذه العائلة رعايتها، وإن الله تعالى جعل نفسه خليفة على عائلة الشهيد فمن أرضاهم فقد ارضى الله تعالى وهذه الرعاية والكفالة والاحتضان لهؤلاء لاشك انها تُرضي الله تعالى فكونوا على يقظة وتنبه مما هو مهم وما يحبه الله تعالى لكم.