المرجعية الدينية العليا تطرح منظومة التعايش الاجتماعي في إطار الانتماء الديني الواحد
تحدث ممثل المرجعية الديني العليا في كربلاء عن منظومة التعايش الاجتماعي في إطار الانتماء الديني الواحد او منظومة التعايش الاجتماعي بين الاخوة في الدين.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام! عزة) خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة اليوم 12/ربيع الاول/1439هـ الموافق 1/12/2017م نتحدث اليوم في المنظومة الثالثة وهي منظومة التعايش الاجتماعي في إطار الانتماء الديني الواحد او منظومة التعايش الاجتماعي بين الاخوة في الدين قال الله تبارك وتعالى في سورة الحجرات: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، ماذا تستبطن هذه العلاقة؟! الآية القرآنية الكريمة حددت وشخصّت طبيعة الرابطة والعلاقة التي يجب ان تقام بين المؤمنين بعضهم مع البعض الاخر...
واضاف نحن الاخوة في الدين كيف نتعاشر بعضنا مع البعض الاخر؟ وكيف تكون مخالطتنا بعضنا مع البعض الاخر؟ هؤلاء الاخوة المؤمنين ما هي حقوقهم عليَّ وما هي حقوقي عليهم؟ هذه كلها ضمن العبارة التي وردت في الآية القرآنية.
وتابع الكربلائي تعلمون اخواني ابناء البشر بينهم علاقات تكوينية معيّنة مثلاً الابوّة علاقة بين الاب وابنه، الاسلام نظّم طبيعة العلاقة بين الاب وابنه، الاخوة من أب وأم هذه العلاقة الاسلام اوجد لها نظام وحقوق، كذلك العلاقة الزوجية او علاقة العشيرة والقبيلة ونحو ذلك.. فالمؤمنون هم يشتركون في مسألة مهمة جداً وحساسة ألا وهي الايمان بالله تعالى.
وبين ممثل الشيخ الكربلائي بقوله "حتى نعرف كيف ينبغي ان تكون العلاقة اعرف اهمية الحقوق التي للمؤمنين عليَّ، لابد ان اعرف انني اشترك معهم في سر الوجود الانساني وسر الخلق لهذا الكون ألا وهو مسألة التوحيد والايمان بالله تعالى. هذا هو سر الوجود الانساني.. انا ارتبط معهم بهذه العلاقة او الرابطة. لا شك ان الله تعالى وضع لهذه العلاقة والرابطة حقوق وواجبات وحدود ينبغي للإنسان المؤمن ان يلتزم بها حتى يحافظ على هذا النظام وحتى يحافظ على سرّ هذا الوجود..
ثم بعد ذلك ما هو موقع حقوق علاقة الاخوّة تجاه حقوق علاقة الاب مع ابنه والاخ مع اخيه اللذان يشتركان من اب وام واحدة.. ما هو موقع هذه العلاقة ومرتبة العلاقة والرابطة بين الاخوة المؤمنين. بعد هذه المقدمة ابين لكم ونحتاج ان ندقق في بعض المواضيع حتى يكون هناك اندفاع واهتمام بتطبيق هذه التعاليم..
واشار الشيخ عبد المهدي الكربلائي "نحن علينا ان نعرف هذه العلاقة التي تربطني مع اخواني المؤمنين الان ما هي مرتكزاتها واسسها ومنها انطلق الى معرفة طبيعة الحقوق وطبيعة المعاشرة بيني وبين اخواني المؤمنين.. هناك ثلاث اسس تستند اليها هذه العلاقة فالآية الكريمة ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).. لاحظوا هناك اخوّة نسب من اب وام ولدينا اخوّة ايمانية.. وهنا الآية الكريمة تعني (الاخوّة الايمانية)، هناك ثلاث مرتكزات:
1- الولاية لله تعالى: كل المؤمنون يشتركون في الولاية لله تعالى وانا اشترك مع اخي في الولاية لله تعالى التي يتفرع عنها الولاية للنبي (صلى الله عليه وآلة وسلم) والتي يتفرع عنها الولاية للإمام المعصوم (عليه السلام)، ونلتفت الى هذا الاشتراك ففي بعض الأحاديث الامام يقول: انت ايها المؤمن اذا اديّت حق اخيك دخلت في ولاية الله تعالى وولايتنا.. وإذا ضيعت حق اخيك خرجت من ولاية الله تعالى وولايتنا الى ولاية الشيطان.. الى ان يكون المدبّر لأمورك هو الشيطان.. لاحظوا اخواني كيف يكون هذا الارتباط ويكون هو المرتكز والاساس في طبيعة هذه العلاقة..
2- الحب لله تعالى: اخواني الاساس في طبيعة الارتباط الأسمى والانقى مع الله تعالى هو الحب لله تعالى ويتفرع عنه الحب للمؤمنين.. ونلتفت الى هذا الحديث..
ورد في بيان أهمية الحب ومرتبته في الدين ما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) حينما سأله سائل (هل ان الحب من الدين).. وقد أجابه الامام (عليه السلام): (هل الدين إلا الحب؟) إن الله عز وجل يقول: (قُل إنْ كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبعُوني يُحبِبكُمُ اللهُ).
يعني هل ان حبكم من الدين او ان الدين عبارة عن فعل واجبات وترك محرمات حتى لو كان ذلك غير مقرون بالحب والمودة؟
وقد أجابه الامام (عليه السلام) بقوله: (هل الدين إلا الحب؟)
الامر الذي يعني ان أصل الامتثال بفعل الواجبات وترك المحرمات لابد ان يبدأ من القلب.. يبدأ من المحبة والعاطفة والمودة الذي يعتبر أكثر ارتقاءاً من ارتباط الخوف والطمع بالله تعالى..
كان عنصر الحب تبعاً لذلك الاساس والمرتكز الذي لابد منه لانطلاق الاخوة الايمانية.. فإن الحب حينما يكون للمؤمن سيكون باعثاً كافياً ووافياً لتحريك جميع الجوارح نحو الهدف الاساس من تقنين علاقة الاخوة الايمانية..
واضاف الشيخ الكربلائي من خلال خطبته الثانية بقوله "التفتوا اخواني اتباعكم لأداء الواجبات نابع من حبكم لله تعالى والتوفيقات الالهية والنجاح في الحياة والفوز بالأخرة نابع من حبكم لله تعالى وكأنه الحب الحقيقي الصادق يلزم منه الاتباع، وان الحب والعاطفة في القلب المجردة لا ينفع، لابد ان يكون هناك اتباع لله تعالى والنبي (صلى الله عليه وآلة وسلم) والائمة الاطهار ثم ينتج عنه المحبة لله تعالى.. ايضاً لابد ان يكون لدي حب لأخي المؤمن واجرد قلبي من الحسد والبغض وغير ذلك من العواطف المقيتة... حينئذ انطلق بقوة لأداء هذه الحقوق لأخواني المؤمنين..
المشتركات المهمة بين المؤمنين: وتتمثل بـ: -3
أ – الهدف المشترك ب- المصالح المشتركة ج- المصير المشترك
لابد ان تكون العلاقة بين المؤمنين قوية ومتينة لأن مصيري مرتبط مع مصير المؤمنين الاخرين فاذا جاء خير فهو خير للكل وإذا جاء شر فهو شر للكل..
لاحظوا اخواني حينما احترم اخي المؤمن واتواصل معه واؤدي له الحقوق وحينما اتكفله وأحبه فالله تعالى يعتبرها عبادة فما عُبد الله في شيء أفضل من اداء حق المؤمن..
فقد ورد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: (من عظّم دين الله عظّم حق اخوانه ومن استخف بدينه استخف بإخوانه).
فالاستهانة بحقوق اخواني المؤمنين والتضييع لها استخفاف بدين الله تعالى ومن استخف بدينه استخف بإخوانه، لذلك الاسلام اطّر مسألة العلاقة مع الاخوان بنظام حقوقي فيه إلزام وسائل المؤمن عن هذه الحقوق..
روى مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ، فَقَالَ: سَبْعُونَ حَقّاً لَا أُخْبِرُكَ إِلَّا بِسَبْعَةٍ فَإِنِّي عَلَيْكَ مُشْفِقٌ أَخْشَى أَلَّا تَحْتَمِلَ..
فَقُلْتُ بَلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ (عليه السلام):
(لَا تَشْبَعُ وَ يَجُوعُ وَ لَا تَكْتَسِي وَ يَعْرَى وَ تَكُونُ دَلِيلَهُ وَ قَمِيصَهُ الَّذِي يَلْبَسُهُ وَ لِسَانَهُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ وَ تُحِبُّ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ إِنْ كَانَتْ لَكَ جَارِيَةٌ بَعَثْتَهَا لِتَمْهَدَ فِرَاشَهُ وَ تَسْعَى فِي حَوَائِجِهِ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ وَصَلْتَ وَلَايَتَكَ بِوَلَايَتِنَا وَ وَلَايَتَنَا بِوَلَايَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ). – الكافي 2: 174 حديث 14-.
ففي هذه الرواية من الشدّة والتأكيد بسبب كثرة الحقوق – وربما- صعوبتها ومشتقها على البعض بحيث يقول الامام (عليه السلام) لأصحابه: بانكم لا تتحملون أدائها لو اردت ان اذكرها بأجمعها باعتبار كثرتها واهميتها وعظمتها ومنزلتها عند الله تعالى ولذلك يحتاج المؤمن الى درجة عالية من الايمان والمجاهدات النفسانية والتكامل الاخلاقي والتربية والتهذيب للنفس والترويض لها حتى يتمكن من أدائها.
وختم بقوله نسأل الله ان يوفقنا واياكم لأداء هذه الحقوق والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطيبين الطاهرين.