جددت المرجعية الدينية العُليا، دعوتها الى بناء نظام اسري صحيح يضمن سلامة المجتمع من الآفات والمخاطر والمشاكل.
وقال ممثل المرجعية في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في خطبة الجمعة التي ألقاها من داخل الصحن الحسيني الشريف اليوم 28/ربيع الآخر/1428هـ الموافق 27 /1 /2017م :ان نظام الاسرة في المجتمع الاسلام يتضمن ما يلي:
الأول: أهمية ودور نظام الاسرة على مستوى الفرد والمجتمع.
الثاني: المبادئ والاسس العامة التي يستند اليها النظام.
الثالث: مراحل بناء الاسرة.
الرابع: معوقات التطبيق.
الخامس: عوامل التهديم لنظام الاسرة.
السادس: الآداب العامة.
أهمية نظام الاسرة على مستوى الفرد والمجتمع:
واضاف "ان الاسرة تعد الحجر الاساس في بناء المجتمع وتكوينه، فإن بنيت على أسس صحيحة وصلحت صلح المجتمع وسلم من الآفات والمخاطر والمشاكل وبناء المجتمع وصيانته وتماسكه انما هو ببقاء الاسرة وصيانتها وتماسكها، وسعادة المجتمع واستقراره وازدهاره وتشكيل حضارته المميزة له والحافظة لكيانه انما هو رهين بناء الاسرة بناءً صحيحاً ونجد في نفس الوقت ان الكثير من المشاكل والازمات في حياة الفرد والجماعة انما يرجع الى ما تعانيه الاسرة من أزمات ومشاكل"..
وتابع ممثل المرجعية بقوله "ان الاسرة تمثل المحيط الاول والاغلب قياساً الى المحيط الذي يعيش فيه الفرد بصورة عامة وهي التي يتفاعل معها الفرد نفسياً وفكرياً وعاطفياً ومن خلالها تتشكل شخصيته ومنها يتلقى المبادئ والقيم وتقاليد مجتمعه الكبير، ومنها يتعرف على التشريعات والقوانين والضوابط الاجتماعية المنتشرة في المجتمع ومنها يتعرف على الحقوق والواجبات وتصاغ شخصيته بصورة أساسية من خلال الاسرة.. لذلك اهتم الشرع الاسلامي ببناء وتشكيل خصوصيات الاسرة ونظامها وفق اسس مشددّة وواسعة لضمان تشكيل شخصية الفرد بصورة راسخة وصحيحة..
واعتبر الشيخ عبد المهدي الكربلائي ان توفر الاسرة عوامل الاستقرار النفسي والطمأنينة والراحة القلبية وهي المكان الذي يفرغ فيه همومه وأحزانه ويجد فيها اجواءً من المحبة والاهتمام والعناية بعد رحلة طويلة شاقة من العمل المضني والمشاكل والصعوبات والابتلاءات التي يعيشها خلال حياته اليومية. لذلك فإن الاسرة توفر عوامل تجديد الطاقة النفسية والعاطفية بل الحيوية ليبدأ الرجل والمرأة رحلة عملهما في يومهم اللاحق بطاقة متجددة تؤهلهما لخوض غمار الحياة. إضافة الى ان تشكيل الاسرة بذاته يوفر عامل اشباع لعدة حاجات غرائزية منها اشباع الحاجة الجنسية والعاطفية بنزعة الانسان نحو إنجاب الاولاد واشباع غريزة الابوة والامومة إضافة الى ما توفره من عوامل تعزيز المحبة والمودة والالفة بين الزوجين وتقوية موقع الاب اجتماعياً واقتصادياً ودعمه في شؤون حياته المختلفة من خلال وجود الابناء الى جانبه فهي عامل قوة نفسية واجتماعية واقتصادية..
ونوه الكربلائي ان الحاجة ماسة ومن اجل ادامة النوع البشري وحفظه من الانقراض الى عملية تناسل وتكاثر وفق اسس صحيحة ومنظمة بعيدة عن الفوضى والعشوائية وهذا ما يوفره نظام الاسرة المتكامل المبني على اسس تتفق مع الفطرة الانسانية والحاجات الاساسية والملائمة للنوع الانساني كمخلوق يتميّز عن باقي الأنواع واختاره الله تعالى كخليفة في الارض..
ومن هنا فإن للأسرة اهمية كبيرة في مجالات متعددة، ويبدأ هذا الدور الاسري من خلال تنشئتها لأبنائها على تعلم المبادئ والاعراف الاجتماعية الحسنة بالإضافة الى التوجه السلوكي والاخلاقي السوّي الذي يرسّخ المبادئ والقيم الرفيعة، وهذا بدوره ينعكس على شخصية الفرد في سعيه الجاد نحو تحقيق اوصاف ذاته السليمة وبناء مجتمعه السليم..
وحول المبادئ والاسس العامة للنظام فبين الشيخ الكربلائي خمسة مبادئ بحديثه......
المبدأ الأول: مبدأ الحقوق والواجبات:
حيث ان الانسان بصورة عامة لا يمكن ان يستقل في تدبير شؤون حياته بل هو بحاجة دائماً الى الآخرين من اجل الوصول الى تحقيق الغرض الأساسي لحياة الانسان، وكل انسان ضمن التشكيل الاجتماعي لبني البشر له دور يؤديه ضمن دائرته الضيقة التي تحيط به..
ولتعقيد هذه الأدوار وتشعبها واهميتها لم يتركها الاسلام هكذا بدون تعريف بها وتنظيمها وفق اسس صحيحة ملائمة للنوع البشري، ومن جملة الكيانات الاجتماعية للإنسان المحيطة به اسرته المكونة من افراد متعددين ومن أجل تحقيق الغاية من تشكيل الأسرة كان على كل فرد واجبات وله حقوق تجاه الاخرين ومراعاة هذه الحقوق والواجبات تمثل العامل الأهم في سعادة الأسرة وانتظام امورها وسعادتها..
ولأهمية تشكيل الاسرة وضع الإسلام نظام الحقوق والواجبات لها فلكل فرد من الاسرة من الاب والام والاولاد حقوق معينة وفي المقابل عليه واجبات يلزمه القيام بها، ولا توجد حقوق بلا واجبات ولا واجبات بلا حقوق ومراعاة هذا النظام يمثل الركيزة الأولى والأهم لنجاح الاسرة في تحقيق أهدافها..
المبدأ الثاني: مبدأ الحب والمودة والرحمة:
قال تعالى: (وَمِن آياتهِ أن خَلَقَ لَكُم مِن أنفسِكُم أزواجاً لِتسكنُوا إليهَا وجَعَلَ بينكم مودَّة ورَحمة ً).
ان اعتماد هذا المبدأ في التعامل بين افراد الاسرة ابتداءاً بين الزوج وزوجته وبين الاب والام مع الاولاد وبالعكس يزوّد الانسان بالقدرة على العطاء غير المحدود بحسب مرتبة الحب، وتحمل المشاكل وتجاوز الصعاب والظروف القاسية والابتلاءات التي تمر بها العائلة.. إضافة الى توفير عامل الاستقرار النفسي والعاطفي لجميع افراد الاسرة وعلى العكس من ذلك لو سادت البغضاء والكراهية فان الفرد يخلو من العطاء بل يريد من الاخرين ان يكونوا هم مصدر العطاء دون ان يبادلهم ذلك..
إضافة الى ما تخلفه من القسوة والأنانية والحقد في نفسه تجاه الآخرين هذا غير انعدام القدرة على تحمّل الصعاب والاهتزازات التي تتعرض لها الاسرة بسبب حجم المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يحتاجها أفراد الاسرة..
وكثيراً ما تخلّف روح الكراهية بدل الحب والمودة روح الجريمة والعنف والاعتداء على الآخرين مما يجعل الاسرة مصدراً للجريمة والاعتداء داخل المجتمع..
المبدأ الثالث: مبدأ التعاون والاحترام:
إن الاعباء الاسرية أي ما لابد من القيام بها للوصول الى كيان اسري ناجح بعيد عن المشاكل والاضطراب والوهن كثيرة وكل فرد يتحمل جانباً من المسؤولية يختلف عما يتحمله الآخر ولكن بينهما ارتباط وثيق كارتباط اعضاء الجسد فيما بينها التي تحتاج الى الاتساق والانتظام في عملها بعضها مع البعض الاخر ومن دون هذا الانتظام والاتساق في أعمال أعضاء الجسد الواحد لا يمكن ان تؤدي مهام ووظائف الجسد بصورة صحيحة..
والاسرة كذلك فلابد من التعاون فيما بين افرادها بحيث يساعد كل فرد الآخر في أداء مسؤولياته وواجباته ويتفهمها ويقدم له كل ما يمكن من مساعدة حتى يمكن لهم جميعاً الوصول الى الهدف.
وأجلى مثال واوضحه على ذلك تحمل الأعباء المعاشية فقد يعجز الزوج عن توفيرها فتهب المرأة بما لها من مال او قدرة على العمل لتوفير المعاش الكافي لها ولأسرتها وكذلك في مجال التربية للأولاد وغيرها..
المبدأ الرابع: مبدأ القوامة:
قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُون عَلَى النِّساءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُم على بعضٍ وَبِمَا أنفقوا من أموالهِمْ) – النساء 34-.
ان في الاسرة مهام متعددة وأساسها الرجل والمرأة وكل منهما له خصوصيات تكوينية ونفسية تؤهله لدور معين، وقد انيط في الاسلام بالرجل مهمة القوامة على الاسرة فهو كالربّان للسفينة عليه توجيه الاسرة لما فيه خيرها وصلاحها ولابد لأفراد الاسرة من رعاية توجيهاته والالتزام بها، ولكن لا يعني ذلك السماح له بالتعسّف في استخدام هذا الحق.. بل عليه التقيد برعاية العدل والانصاف في جميع الاحوال..
كما ان للزوجة دورها الاساسي في تربية للأولاد وتوجيههم والتي تكمل به دور الاب.. وهذه الأدوار لو اديت وفق الضوابط الموضوعة عقلا ً وشرعاً فإن ذلك سيؤدي لا محالة الى انتظام شؤون الاسرة ووصولها لتحقيق اهدافها في الحياة.. وعلى العكس من ذلك لو اختل هذا النظام فإن نتيجته تفكك الاسرة وشقائها..
المبدأ الخامس: مبدأ التسامح والعفو عن الاخطاء:
ان الانسان معرض للخطأ والزلل والهفوات ومن دون مبدأ التعامل بالتسامح والعفو والصفح بين افراد المجتمع بإزاء هذه الأخطاء فإن الحياة تصبح جحيماً لا يطاق وتتحول الى عالم من الصراعات والاحن والاحقاد.. والاسرة هي ضمن هذا المجتمع في معرض صدور الأخطاء والزعل من أفرادها وحيث ان الزوج والزوجة هما العنصران الاساسيان في بناء الاسرة وكذلك ما يربط الابوين بأولادهما.. ويمكن ان تكون هذه الأخطاء بصورة يومية فلابد من اعتماد مبدأ التسامح والعفو والصفح متبادلا ً بين الزوجين كل منهما مع الاخر ومع الابناء من اجل الحفاظ على الالفة والمحبة وتجاوز الصعاب التي تمر بها الاسرة..
وقد اهتمت الشريعة الاسلامية بالتأسيس لهذا المبدأ من خلال نصوص كثيرة.. ومنها ورد فيه التأكيد على ان من حق المرأة على زوجها ان تغفر لها ذنبها وتعفو عنها اذا جهلت..