استعرض ممثل المرجعية الدينية العليا في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف مقومات الاداء الوظيفي الناجح ودورها في حياة الفرد والمجتمع.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي اليوم الجمعة (9 /11 /2018) ان الانسان بصورة عامة سواء أكان سياسيا او وزيرا او نائبا او قاضيا أو استاذا او معلما او مدرسا هو مكلف بمهمة ووظيفة في الحياة.
واضاف ان هنالك مجموعة من المقومات لو التزام بها الانسان سيتمكن من تحقيق النجاح باداءه الوظيفي والوصول الى الاهداف التي ينشدها في الحياة.
وبين ان غياب مقومات الاداء الوظيفي الناجح في حياتنا يعد احد الاسباب التي اوصلت العراق الى الحال الذي فيه الان.
واشار الى ان الاداء الوظيفي الذي يعبر عنه بعمل الانسان يعد مقوما اساسيا من المقومات التي تجعل الانسان ينجح في تحقيق اهدافه في الحياة، لافتا الى ان العزوف عن العمل والركون الى الكسل والتراخي والاهمال يمثل مقوما اساسيا لتحقيق الفشل وعدم الوصول الى الاهداف في الحياة.
وتابع ان العمل والاداء الوظيفي الناجح مبدأ انساني مهم مرتبط بالمبادئ الاخرى التي يُقيم بها الانسان ويحفظ من خلالها قيمته وكرامته واعتباره واحترامه فردا ومجتمعا، كما انه مقوم اساسي لاحترام الانسان واعتباره وكرامته في المجتمع ازاء المجتمعات الاخرى.
ولفت الى نظرة الاسلام الى العمل، موضحا ان الاسلام حث كثيرا ورغب بالعمل والنشاط والتكسب والهمة العالية للانسان ليؤدي وظائفه بالحياة، مستشهدا بايات قرانية واحاديث شريفة ذكرت هذا المعنى، وحذرت في نفس الوقت من العزوف عن العمل والكسل والتراخي والركون الى الراحة كاشفة عن النتائج السلبية لذلك كما في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، مبينا ان الاية تشير الى ان الله تعالى يقول ذللت لكم الارض لتعملوا وتقوموا بمهمتكم ووظيفتكم في الحياة وتعمروا الارض.
واوضح ان عمل الانسان سواء اكان عملا عباديا ام غير عبادي، ومدى النفع منه وصلاحه موضع نظر ورقابة من الله تعالى ومن رسوله ومن المؤمنين مستشهدا بالحديث (ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يديه)، مشيرا الى ان نبي الله داوود عليه السلام كان يأكل من عمل يده، لافتا الى ان الاسلام حذر في نفس الوقت من الكسل والتراخي والتقصير بالعمل والوظيفة التي يكلف بها، مستشهدا بحديث رسول الله صلى الله عليه واله (أخشى ما خشيت على أمتي كبر البطن, ومداومة النوم والكسل).
واكد الكربلائي على ان الاسلام نظر الى العمل نظرة تمجيد وتقديس واحترام واعتبر قيمة الانسان بما يقدمه من عمل وخدمة لنفسه وللمجتمع، كما اعتبر ان للعمل قيمة عبادية عليا، وان الانسان الذي يكدّ في سبيل تحصيل قوته وقوت عياله يقوم بعمل جهادي وعبادة اكثر قيمة وثمناً من الانسان العابد الذي يركن الى العبادة ويزهد في العمل، موضحا ان الانسان قليل عبادة حينما يكدّ وينشط ويعمل ويستفرغ طاقاته في العمل وفي خدمة الاخرين يكون لعمله قيمة عبادية أعلى وأسمى من ذلك الانسان الذي يُكثر من العبادة لكنه قليل العمل وقليل النشاط ويتصف بالخمول والكسل والتراخي ولا يؤدي مهمته.
وكشف الكربلائي ان الله تعالى أودع في فطرة الانسان التوجه والحب للعمل كما اودع في فطرته الخير وحب المساعدة وحب العدل، الا ان البيئة بمختلف عناوينها هي من تُفسد هذه الفِطرة وهي التي تفسد القيم الفردية والاجتماعية.
واستدرك انه من خلال سيرة الانبياء والائمة عليهم السلام نجد انهم كانوا يعملون في البستان أو في حراثة الارض وغيرها من الاعمال لتحصيل القوت، وفي نفس الوقت يكونوا قدوة لنا في حب العمل وتقديسه.
ويرى ان من مقومات الأداء الوظيفي الناجح الشعور بأهمية العمل وقدسيته ودوره الخطير في المجتمع وتطوره، واعتبار العمل مبدأ وقيمة انسانية مهمة مرتبطة بالانسان باعتباره خليفة الله في الارض أوكل له مجموعة من المهام المقدسّة والمهمة والخطيرة، فضلا عن ايصال امانة السماء الى الانسان والى المجتمع، والسعي لاعمار الارض بما يساهم في خدمة الانسان وتطوره كمخلوق له فكر وعقل وانبياء وشرائع.
ونوه الكربلائي الى ان الانسان المؤمن يعتبر ان العمل والنشاط مسؤولية الهية انيطت به وان الله تعالى كلفه بالعمل والنشاط والنهوض بها، واما الانسان غير المؤمن ينظر الى العمل والنشاط الى انه مهمة انسانية نبيلة ومقدسة ومحترمة لديه، مبينا ان بعض المجتمعات التي لا تؤمن بدين تتصف بالعمل والنشاط الدؤوب ليلا ً ونهاراً وتنظر الى العمل كمبدأ وقيمة انسانية محترمة وله دور خطير في الحِفاظ على الانسان وتطوره ورقيه وازدهاره، لافتا الى ان هذا الشعور متى ما توفر لدينا حينئذ يمكن ان يتوفر الحافز والاندفاع في ان يكون الانسان عاملا ً ويؤدي حق العمل والوظيفة المكلّف بها على افضل وجه وينشط ويحاول ان يستفرغ وسعه وطاقاته وامكاناته في سبيل خدمة نفسه والارتقاء بالمجتمع.
كما سلط ممثل المرجعية الدينية العليا الضوء على طبيعة القوانين والتشريعات والنظام السياسي للمجتمع، كمقوم مهم من مقومات الاداء الوظيفي الناجح.
واضاف انه "كلما كان النظام السياسي وافراده يتميزون باحترامهم للاداء الوظيفي المكلفين به ويحرصون على سن التشريعات والقوانين والتعليمات التي تحفظ للعمل والاداء الوظيفي دوره المهم في المجتمع كلما انعكس ذلك على تحسين هذا الاداء والنشاط الوظيفي نوعا وكما".
وتابع ان "للاداء الوظيفي الناجح مقومات ترتبط بالفرد العامل نفسه، وباداء المجموعة العاملة سواء اكانت صغيرة ام كبيرة وباداء الكيان المجتمعي العام".
واعرب عن اسفه للوضع في العراق قائلا "مما يؤسف له ان مجتمعنا في العراق فردا وكيانا قد غابت عنه الكثير من المبادئ والقيم الاساسية للنجاح الوظيفي والعملي، والذي ادى الى هذا التراجع الكبير في مستوى الخدمات العامة بكل عناوينها بل الى التخلف والتراجع، والذي جعل هذا البلد لايستطيع الاستقلال والاكتفاء بقدراته ونشاطاته مع ما لديه من امكانات كبيرة بل اصبح يعتمد على الاخرين حتى في ابسط اموره واحتياجاته الحياتية والذي ترك اثرا سيئا حتى على موقعه وسط المجتمعات الاخرى".