كانت كربلاء تغلي كالمراجل من الاضطراب الذي استولى عليها والأفكار القلقة التي استحوذت على الطبقة الواعية بعد مضى شطر من السنة الاولى للاحتلال البريطاني للعراق إذ لم تستقر حتى حل الامام الميرزا محمد تقي الشيرازي الحائري فيها فاتجهت اليه انظار الكربلائيين المتحلين بالفكر الثاقب، ادى اليه والالتفاف حوله والتفكير بالقضية الوطنية وما يجب العمل به لتقوية هذه الروح لاسيما بعد وفآه المجتهد الكبير الإمام محمد كاظم الطباطبائي في الثامن والعشرين من رجب سنة (1337هــ).
بعث وكيل الحاكم الملكي العام في العراق السير ولسن بتاريخ (5/5/1919م) اليه مع النائب محمد حسين خان، والملحق السياسي (البوليتكل اتاشية) لدولة الحاكم البريطاني العام في بغداد، ثم بعث اليه كتاباً آخر بتاريخ السابع عشر من نوفمبر سنة 1919م بمناسبة وفاة السيد محمد باقر الطباطبائي الحائري صهر الامام، غير ان هذا الكتاب لم تفت في عضد رائد الثوار وقائدهم الروحي بل زادته تصلباً، اذ لم تنطو عليه أحابيل الحاكم البريطاني.
في رمضان سنة 1337هــ شد السير ولسن الرحال من بغداد الى كربلاء بقصد مواجهة رائد الثوار الامام ميرزا محمد تقي الحائري والاجتماع به مؤملاً من ذلك نيل مبتغاه (جذب الامام إليه)، وجاءت برفقته مس بيل، سكرتيرة دار الاعتماد البريطاني في العراق لأنها سبق لها وان زارت كربلاء قبل الاحتلال البريطاني للعراق.
امتنع الإمام الحائري عن مواجهة ولسن بسبب وجود مس بيل معه، وبعد أن طلب الحاكم البريطاني العام وألح على الامام الحائري بطلب الاجتماع، فوافق أخيراً على مواجهة ولسن منفرداً بعد أن وقف على باب دار الامام زهاء من ساعة يطلب السماح له بمواجهة الامام ومصراً على ذلك.
حضر الاجتماع من جانب الامام نجله معتمد الحزب الاسلامي مرزا محمد رضا، والحاج محمد حسن أبو المحاسن، طلب السير ولسن من الحائري عند اللقاء، الموافقة على عدة مواضيع ظن أنها تخفى على رجل أشرف على السبعين قد مارس أموراً مهمه وعاصر رجالاً مفكرين، إذ كانت اول مواضيعه بمثابة الرشوة والترضية.
طلب منه ترشيح من يراه لائقاً من أفراد الشيعة ليعينه سادناً (كليداراً) للروضة العسكرية في سامراء بدلاً من السادن الحالي، وخاب ظنه عندما جاوبه الامام: "لا فرق عندي بين سني وشيعي وان الكليدار الموجود رجل طيب لا اوافق على عزله" وكان السبب الذي جعل ولسن يتكبد عناء سفر من بغداد الى كربلاء هو فتح باب المفاوضة بتكليف الامام الحائري بتعزيز موقفهم في إيران لترجيح كفتهم في تصديق المعاهدة التي كان برسي كوكسي يسعى لعقدها مع حكومة إيران.
المصدر
مدينة الحسين، مختصرات تاريخ كربلاء، محمد حسن مصطفى آل طعمة، ص68-73