يحظى العباس ابن امير المؤمنين (ع) بمكانة عميقة في النفوس، ومحبة شديدة بين الناس قائمة على إيمان راسخ بمكانة هذه الشخصية العظيمة عند الله – تعالى، فقد دخل العباس(ع) القلوب من أوسع ابوابها، بعد أن اختزلت شخصيته سمات البطولة والتضحية والوفاء والإباء... وكان الدور الذي يحتمله العباس (ع) في هذه القضية احدى الملاحم المهمة التي دعت أئمة أهل البيت (ع) ان يجعلوه من اهم الشخصيات البارزة في سيرتهم ومشروعهم الرسالي، فقد أضحت شخصية العباس من اهم دواعي الاعتزاز التي يفتخر بها المخلصون الاوفياء.
طلب الامام علي(ع) من أخيه عقيل أن "انظر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب، لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً" فأشار اليه عقيل وهو المعروف بين العرب بـ "النسّابة" الى "فاطمة الكلابية"، وفي رواية تاريخية أخرى بأن يطلب فيها الامام "غلاماً فارساً ينصر ولدي الحسين بأرض كربلاء" في كل الاحوال من هنا تبدو بذرة الشجاعة والبسالة في ذات العباس(ع) لكن الذي نبحث عنه التنمّر في ذات الله – تعالى- فهذا الذي رفعه درجات على سائر الشهداء والصديقين، بحيث قال بحقه الامام الصادق: "عوّض الله لعمّي العباس عن يديه بجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء". (1)
وعلى أرض كربلاء، كانت ساحة معركة محتدمة، وقتال عنيف، أبدى فيه أصحاب الامام الحسين، (ع)، كل أشكال البطولة والتضحية والإصرار على نصره سيد الشهداء، وكان العباس له جبهة قتال خاصة به، فقد طلب من الإمام أذن ليحضر قليلاً من الماء للأطفال ، وكان آخر من بقي مع الإمام الحسين(ع) وهو حامل لوائه والعمود الفقري لقوته العسكرية، لم يوافق الحسين(ع) بداية الامر ولكن إصرار ابي الفضل العباس (ع ) عليه جعل الامام الحسين يوافق حيث انطلق نحو الفرات حاملاً القربة مخترقً صفوف الاعداء حتى ادرك شاطئ العلقمي، ملأ القربة ماءاً وراجعاً الى المخيم، فكمن له الاعداء بين النخيل، خوفاً من بأسه وسيفه البتار، وبعد تلك المواجهة المعروفة وما آل اليه مصير أبو الفضل (ع) ، على يد أولئك الزمرة الحاقدة، وأصبح، من دون يدين يقاتل بهما، ثم رأى القربة وقد أصابها سهمٌ وأريق ماؤها على التراب، وقف حائراً لا ماء يوصل الى المخيم ولا يد يقاتل بها. فضربه لعين بعمود من حديد فقتله، (وكان العباس عليه السلام آخر من استشهد مع الحسين عليه السلام، ولم يستشهد بعده إلاّ صبية من آل أبي طالب لم يبلغوا الحلم، ولم يقدروا على حمل السلاح) (2)، استشهد العباس عليه السلام، (وله من العمر 34 سنة). (3)
المصادر
1 - قاموس الرجال، ج 12، ص 196.
2- أبو مخنف، مقتل الحسين، ص 180.
3- ابن عنبه، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص 280.