آراء السيد سلمان هادي آل طعمة:
يقول السيد سلمان آل طعمة: المرجح عندنا أن المخيّم الحالي من الأبنية التي ابتدعها مدحت باشا من أجل ضيافة السلطان ناصر الدين شاه .... وعساكره وحاشيته.
ومن المعلوم أنّ ناصر الدين شاه زار بغداد والعتبات المقدسة عام (1287هـ -1870م)، وكان والي بغداد مدحت باشا ملازماً له خلال الزيارة بتوجيه من السلطان عبد العزيز العثماني.
وبخصوص تسمية المحلة باسم (المخيّم) فقد قال السيد سلمان آل طعمة: وعندما أتمّ السيد علي الطباطبائي المشهور بــ(صاحب الرياض) بناء سور لكربلاء سنة 1217 هـ بعد غارة الوهابيين اتخذ هذا المحل مقبرة لدفن الموتى واستبدل الطرف بمحلة المخيم.
إنّ ما ورد في كلام السيد سلمان المذكور آنفاً؛ لا يتفق والنتائج التي توصلنا إليها من خلال الآتي:
أولاً: إنّ المخيّم الحسيني بموضعه الحالي كان قائماً في عام 1604م كما نقل لنا تكسيرا، والفارق الزمني بين أقوال تكسيرا وزيارة ناصر الدين شاه (266) سنة، وهذا يدحض هذه الرواية، فضلاً عن أنهّا تتعارض تماماً مع مشاهدات الرحالة والمستشرقين الذين زاروا الموضع، ونقلوا مشاهداتهم قبل زيارة ناصر الدين شاه إلى كربلاء في سنة 1287هـ -1870م.
ثانياً: أما قوله: وعندما أتمّ السيد علي الطباطبائي المشهور بــ(صاحب الرياض) بناء سور لكربلاء سنة 1217 هـ بعد غارة الوهابيين؛ اتخذ هذا المحل مقبرة لدفن الموتى، واستبدل الطرف بمحلة المخيّم، لا يتفق والشواهد التاريخية التي ذكرناها في الفقرة (ثانياً) فضلاً عن الآتي:
قال السيد الخوانساري: في ترجمة (ابن فهد الحلي) وقبره معروف بكربلاء المشرفة وسط بستان يكون بجنب المخيّم الطاهر، وقد تشرفت بزيارته هناك. وكان السيد صاحب الرياض يتبرك بذلك المزار كثيراً، ويكثر الورود عليه.
حكى الخراساني: نقل ثقة الإسلام النوري في الكلمة الطيبة عن الملا كاظم هزار جريبي تلميذ العلامة البهبهاني في كتاب تحفة المجاور أنه نقل عن السيد الجليل مير سيد علي صاحب الرياض قوله: كنت مواظبا عصر كل خميس على زيارة القبور الواقعة قرب المخيم، وذات ليلة رأيت في المنام إني قد ذهبت الى تلك المقابر، ورأيت البلدة خالية من البنايات وهنالك قبر بدل عنها جميعاً فأخذت.
قال الميرزا النوري (ت1320هـ): ابن فهد الأسدي الحلي، المتولد في سنة 757، المتوفى في سنة 841، المدفون في البستان المتصل بالمكان المعروف بخيمكاه في الحائر الحسيني، المتبرك بمزاره، صاحب التصانيف الرائقة الشائعة كالمهذب، وعدّة الداعي، والتحصين في العزلة، وغيرها.
قال الشيخ أغا بزرك الطهراني (ت1389هـ): زرت قبره - أحمد بن فهد الحلي- سابقاً بكربلاء في وسط بستان كبير من النخيل يتصل إحدى حدوده بالمحل المشهور بخيمه گاه، وكان يقال له (باغ ابن فهد)، وكانت البستان موقوفة له، وأما اليوم فلم يبق منه غير عدّة أذرع محيطة بنفس القبة، وما سواها قصور عالية مملوكة.
ومن خلال التتبع لكتابات الأستاذ الفاضل السيد سلمان الأخيرة، ظهر لي انه غير من رأيه بخصوص التشكيك في المخيم الحسيني، ويبدو أنّه على قناعة تامة بأنّ الموقع الحالي هو الأقرب إلى الواقع.
آراء الشيخ محمد باقر مدرس بستان آبادي:
حكى محمد باقر مدرس: أنّ نادر شاه عندما زار كربلاء في عام(1156هـ) ، كان قد خيّم بمعسكره على مقربة من المخيّم الحالي، ثمّ توجّه لزيارة الإمام الحسين عليه السلام ، ومنذ ذلك التاريخ سمّي هذا المكان بالمخيم، حيث لم نرَ أي أثر للمخيم الحالي قبل القرن الثاني عشر، بل والثالث عشر للهجرة في الكتب التاريخية، بل إنّ الشواهد التاريخية تدل على عدم وجود المخيم.
ونقول: لقد استند الشيخ بستان آبادي في أقواله التي ذكرناها أنّ أصل موضع المخيّم الحالي اُتخذ مقاماً بناءً على نزول نادر شاه الافشاري فيه عند زيارته كربلاء سنة 1156هـ، حيث لم يكن هناك أي أثر للمخيم الحالي قبل هذا التاريخ على حدّ زعمه، مستنداً بذلك إلى سماع شفاهي عن العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني، وعليه يمكن القول: إنّ ما ادعاه بستان آبادي محل تأمل ونظر؛ للأسباب الآتية:
لم نقف على مصدر ذكر بأنّ نادر شاه عسكر في الموضع الحالي للمخيم، أو ضربت له أبنية في هذا الموضع، باستثناء الشيخ بستان آبادي الذي لم يكن من المعاصرين، في حين أنّ الكركوكلي ذكر الزيارة بالقول: (إنّ نادر شاه الأفشاري زار العراق سنة 1156هـ للمرة الثالثة، وأعلن الهدنة بين العراق وإيران، وسافر إلى زيارة العتبات المقدسة، وأمر بتعمير مرقد الخليفة الرابع، كما وأمر أن تطلى القبة بالذهب، ثمّ توجه إلى كربلاء وأشاع أنّه على مذهب أهل السنة).
أما بخصوص إدعائه بان السيد هبة الدين الشهرستاني نفى صحة موقع المخيم الحالي.
نرى أن هذه الدعوى هي خلاف الحقيقة؛ لان السيد هبة الدين الشهرستاني أثبت موقع المخيم الحالي من خلال كتابه (نهضة الحسين) المؤلف بتاريخ 1344هـ بقوله: (لكن الحسين عليه السلام رأى بجنب هذه وجنوبها رابية مستطيلة أصلح من أختها للتحصين، لان المحتمى بفنائها يكتنفه من الشمال والغرب ربوات تقي من عاديات العدو برماة قليلين من صحب الحسين عليه السلام إذا اختبأوا في الروابي، وتبقى من سمتي الشرق والجنوب جوانب واسعة تحميها أصحاب الحسين عليه السلام ورجاله، ومنها يخرجون إلى لقاء العدو، أو تلقي الركبان، فنقل إلى هذا الموضع حرمه ومعسكره ويعرف الآن «بخيمگاه» أي «المخيم» فصارت محوطة الحير فاصلة بينهم وبين معسكر الأعداء. ثم عاد السيد هبة الدين ليؤكد أقواله المارة الذكر في كتابه (الدلائل والمسائل) المطبوع سنة 1377هـ -1958م.
استناداً لأقوال السيد هبة الدين الشهرستاني المار الذكر ولعدم وجود أي نص تحريري للسيد هبة الدين الشهرستاني ينقض أو يخالف أقواله المثبتة في كتابيه المشار إليهما آنفاً، يكون رأي البستان آبادي بهذا الصدد محل تأمل ونظر.
أن الرحالة تكسيرا الذي زار كربلاء في (29 ربيع الآخر 1013هـ الموافق 24 أيلول 1604م) كان قد ذكر موضع المخيّم الحسيني، وأنّ هناك أبنية قائمة ومشيدة، ومزاراً قبل زيارة نادر شاه بمئة وأربعين سنة.
الخلاصة:
وتأسيساً على ما تقدم نرى الآتي:
إنّ مسألة التشكيك بموضع المخيّم الحسيني الحالي أول من أثارها وتطرّق إليها هو السيد محمد حسن الكليدار في كتابه (مدينة الحسين) المطبوع سنة 1368هـ/ 1949م، كما تقدم، وأنّ من تابعه على ذلك أخذ منه من دون تتبع للشواهد التاريخية أو تفحص لمضامينها، وقد بيّنا بالأدلة العلمية الدامغة عدم صحة ما ذهب إليه السيد الكليدار (رحمه الله) وغيره.
إنّ الموقع الحالي للمخيم في الجنوب الغربي من العتبة الحسينية المقدسة والذي يعدّ من المعالم الرئيسة للمدينة ؛ هو الموضع الرمزي الأقرب إلى الحقيقة، ونرجح أنَّ إقامة هذا الرمز في هذه البقعة المباركة جاء للأسباب الآتية:
إنّ مركز المدينة آنذاك، والذي يمثل حدوده السور، كان لا يتسع للفعاليات والأنشطة الدينية بأكثر مما كان يحتويه من المراقد والمقامات والمساجد والحسينيات والمدارس الدينية، مما ألزم أصحاب فكرة إنشاء هذا الرمز إنشاءَه بجوار السور في الجهة الجنوبية الغربية التي تعرف اليوم بـ(محلة المخيّم) كونه المكان الأقرب والراجح إلى حدّ ما إلى موقع الخيام.
وجود الحوزات الدينية في كربلاء، وازدهار النشاط العلمي فيها؛ أدّى إلى ازدياد أعداد المدارس الدينية فيها، لاسيما في القرن الثامن الهجري وما بعده، مما أدى الى إنشاء العديد من الجوامع والمساجد والحسينيات، وهذا ما شجع على زيادة الكثافة السكانية، عندها أصبح من الصعوبة وجود المساحة الشاغرة من الأرض التي يمكن أن يشيد عليها المقام، علماً أنَّ موقع المخيم الحقيقي كما سنبين لاحقاً يقع أمام التل الزينبي تُجاه شارع السدرة، وهذا الموقع كان مشغولاً حتماً آنذاك بسبب قربه من الحرم الحسيني، إذ كانت البيوت ملاصقة لجدار الصحن الشريف.
زيادة أعداد الزائرين الوافدين إلى كربلاء، لاسيما مع بداية منتصف القرن العاشر الهجري، إذ الانفتاح في العهد الصفوي.
كل ما تم ذكره من الأسباب التي أدت الى إقامة المخيم الحسيني في موقعه الحالي