3.عمورا وكربلاء:
ذكرنا سلفاً حديثين: أحدهما للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله والآخر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قد أشارا إلى نبوءة مقتل الامام الحسين عليه السلام بأرض كربلاء؛ وفي حديث آخر للنبي صلى الله عليه وآله يؤكد مقتل الحسين عليه السلام بأرض عمورا؛ ويعني ذلك أنّ عمورا هي موضع كربلاء نفسه إن لم يكن جزءاً منه، إذ إن اختلاف اسم البقعة لا يدلل بالضرورة على تعددها ومثال ذلك أنَّ الحائر هو أيضاً من أسماء كربلاء، وعندما يطلق اسم الحائر الحسيني لا يتبادر إلى الذهن إلى غير كربلاء.
وأما سبب تسميتها بهذا الاسم فنسبة الى الأقوام الأمورية (الأموريين العموريين)، ذكرهم البابليون بصور مختلفة: امورو، أماري ومارتو. وكلمة «مارتو» مرادفة لمعنى «الغرب» وأُطلق عليهم اسم الأموريين لأنهم كانوا يقيمون غربي بابل. وقد يكون اسمهم مشتقاً من «أمر» بمعنى العلو والارتفاع.
كان الآموريون الذين نزلوا شمال بلاد الشام أسسوا لهم دولة في منطقة الفرات الأوسط. وبعد مدة اجتاح هؤلاء العرب السوريون، العراق، وأسسوا لهم فيه امبراطورية عظيمة عرفت باسم «الدولة البابلية الأولى 1800-1530 ق.م.» نسبة إلى عاصمتهم بابل التي تبعد خرائبها 55 ميلاً جنوب بغداد.
ولقد اختار الأموريون مدينة بابل على نهر الفرات لتكون عاصمة لهم، وكان هذا الاختيار موفقاً، لأنها تقع في القسم الأوسط من سهل العراق، وتتمتع بموقع يتوسط أكثف مراكز العمران، فيما كان يعرف من جهة باسم بلاد سومر، وكان يعرف من جهة أخرى باسم بلاد أكد، إذ كان هذا الموقع الممتاز لهذه المدينة يمكّن الحكومة المركزية من فرض سيطرتها على مناطق واسعة من سهل العراق، كذلك يلاحظ أنَّ مدينة بابل كانت محمية حماية طبيعية في معظم جوانبها، فنهر الفرات يحميها من جهة الغرب، ويحميها من جهة الشمال ومن جهة الشرق فروع وقنوات لهذا النهر وتتبع انحدار السطح في أرض أكد نحو الشرق ونحو الجنوب الشرقي الى نهر دجلة حيث تشكل هذه الفرع خطوط دفاع قوية عنها من جهة أرض الجزيرة وكذلك من جهة وادي دجلة، وحوض القسم الأوسط من نهر الفرات يتضمن عدة مسالك تسير عليها القوافل التجارية بين سهل العراق وسواحل البحر المتوسط من خلال أراضي بلاد الشام.
وعليه، ولكل ما تقدم، تكون المنطقة الواقعة شرق كربلاء، والتي تلي نينوى بمحاذاة الغاضرية هي كربله، وهذا هو الثابت.
حكى المظفر: وبهذا الموضع - كربله -نزل الإمام أولاً، ثمّ تركه ونزل المخيّم المعروف، فإنّهم أنزلوه به كرهاً امتثالاً منهم لأمر اللعين ابن زياد في أن ينزلوه بالعراء على غير ماء ولا كلاء. وتابع قائلاً: ولمـّا علم منهم التصميم على قتله، واختبر الأرض فوجدها لا تصلح للحرب، إذ إنّها مكشوفة، وليس له ملجاً ولا لأصحابه وعيالاته من شيء يعتصمون به من غارة العدو، وعلى قرب منه تلك التلاع الثلاث التي يمكن له لو جعلها خلف ظهره أن يحتمي بها وقت المصاولة، ارتحل عن منزله الأول ونزلها، والموضع الذي ارتاده كان أحصن وأمنع من منزله الأول، وبه استُشهد.
حطّوا الرحال بها يا قوم وانصرفوا |
|
عني فمالي عنها قط ترحال |
وهذه التلاع التي يقصدها المرحوم المظفر: الجهة الغربية؛ وهي عبارة عن التل الزينبي، ومن الجهة الشرقية باب قاضي الحاجات حتى شارع الإمام علي حالياً، ولازال الارتفاع في هذه المنطقة واضحاً، وسنأتي على ذكرها لاحقاً.