ثمار من شجرة سيّد الشهداء (عليه السلام)
بقلم/ محمد طهمازي
من يقرأ التاريخ بعناية يجد أن مقتل الإمام الحسين عليه السلام وآله وأنصاره وما تعرضت له عائلته من تنكيل وسبي في "واقعة الطف" كان منعطفاً تاريخيًّا غير عادي في وجود ومصير أتباعه كان بداية أعادة تحديد المسار الذي اتخذته التركيبة العقائدية والرؤية السياسية حيث أن رمزية الحدث وتفرعاته لم تنحصر في مساحة قاصرة محدودة بل تجاوزت دائرة الإيمان أو الانتماء الديني وامتدت إلى مساحات اجتماعية وسياسية واسعة كانت من زمن لأخر تتحشّد لتقف في وجه ظلم السلطة وتطالب بالحقوق والعدالة.. ثم في مرحلة لاحقة تجاوزت ذلك الهدف لتنتقل الى هدف التمردات المسلحة ثم مرحلة الثورات الانقلابية ثم لمرحلة متقدمة هي تشكيل إمارات وإقامة دول هي وفق العقيدة تمهيد لقيام الحكومة العالمية في دولة العدل الإلهي للإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف.
وتماشيًا مع هذه الانتقالات كان هنالك شروع في بناء هويات متعدّدة لكنها في الحقيقة تتمحور حول هوية توحدها وسلوك مسارات سياسية مختلفة لكنها كانت تقصد هدفًا واحدًا أو أهداف موحّدة ستصب لاحقًا في إسقاط دول للباطل وإقامة دول للحق وإن كانت زمانيًا تحمل روح الصولة.
يقول المؤرخ السوري قسطنطين زريق (1909 - 2000): إن المبادرة في الإنشاء الحضاري لا تأتي من الجماهير بل من النخبة، وللجماهير قوتها التي لا تنكر، ودورها الخطير الذي تلعبه في توجيه الأحداث والحضارات، ولكن جدوى هذا الدور - خيراً أم شراً - تتوقف على صحة الوعي من الأفراد المبدعين ومن القيادات النخبوية المبدعة ... لقد كان الحسين النواة الصحيحة النقية والنخبة الواعية التي كونت نخبًا أنتجت الحراك المستمر الذي لا تهدأ ناره ولا تنطفئ جذوته للم شتات المجموعات الحسينية المبعثرة ورصها في كتلة واحدة أو كتل رئيسية هو في الحقيقة يذكرنا ببدايات تشكُّل الحضارة الرافدينية الأولى في تاريخ الوجود البشري حينما بدأت دويلات المدن السومرية التي تمتاز كل مدينة عن الأخرى في مرجعياتها العقائدية لكنها جميعًا تنتمي للغة واحدة وبيئة واحدة ورؤية لاهوتية واحدة لتشكّل الهيكل العظيم للحضارة السومرية.
إن السعي لتشكيل منظومة دولة وإن كانت داخل دول أكبر لكنها تخضع لمنظومة أخلاقية وقانونية مختلفة وتتبع نظرية عقائدية عميقة مستمرة في النمو هو من أهم عوامل تشكيل حضارة جديدة.
يتبع..