2.الناحية العقدية:
إن موقع كربلاء في الشمال الغربي وبالتحديد منطقة القرطة التي تقع بجوار الكمالية؛ يتعارض وقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: وأما الحسين فإنه مني، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة ربِّ العالمين، وغياث المستغيثين، وكهف المستجيرين، وحجة الله على خلقه أجمعين، وهو سيد شباب أهل الجنة، وباب نجاة الأمة، أمره أمري، وطاعته طاعتي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لمـّا رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي، كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار، فأضمه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة على دار هجرتي، وأبشره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله، وموضع مصرعه، أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة، كأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعاً، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً . ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثم قام صلى الله عليه وآله: وهو يقول: اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثم دخل منزله.
حكى الصدوق: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن عليه السلام ، وهو يقول: خرج علينا رسول صلى الله عليه وآله ذات يوم ويدي في يده هكذا، وهو يقول: خير الخلق بعدي، وسيدهم أخي هذا، وهو إمام كل مسلم، ومولى كل مؤمن بعد وفاتي. ألا وإني أقول: خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هذا، و إمام كل مؤمن، ومولى كل مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض كربلاء. إما إنه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة.
المستفاد من الروايات المتقدمة أنَّ النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام أنبئوا أنَّ الامام الحسين عليه السلام سيُقتَل بأرض اسمها كربلاء، وقد تبيّن صدق هذه النبوءات عندما نزل الحسين في هذه الأرض، وسأل عن اسمها فأُجيب بأنها تسمى كربلاء. وكربلاء هذه كما بيّنا نزلها الامام عليه السلام بعد موضع نينوى، مما يعطينا دلالة قاطعة بعدم وجود موضع آخر باسم (كربلاء)، غير الذي نزله الإمام الحسين عليه السلام عند وروده إليه.
وهذا يدل على أنَّ أقوال إبراهيم حلمي لا تستند الى دليل تاريخي، وإنما اعتمدت على روايات شفوية، الفاصل الزمني بينها أكثر من ألف سنة، فضلاً من أنَّ الرجل يمتهن الصحافة ولا دراية له بعلم التاريخ، وأنَّ أقواله هذه جاءت على خلفية تحقيق صحفي استنطق من يثق بأقواله، وهذا ليس بحجة لعدم توافقه مع الروايات التاريخية.
وفي هذا الصدد قال عبد الجواد الكليدار: أما الخلط والاشتباه فظاهران-كما يُلاحَظ- على أقوال هذا الكاتب - إبراهيم حلمي-، الذي في زعمه يحاول الوصول إلى التحقيق التاريخي في الأمر فينحرف عن الحقيقة، ويبتعد عنها. فاستهل كلامه أولاً بالتمييز بين كربلاء الحالية، وبين كربلاء القديمة، التي في زعمه كانت المزارع في ربضها حين ورود الحسين إليها، ولكن دون أن يدعم قوله بدليل من التاريخ، والحالة أنَّ الحسين ألزموه بالنزول في مكان على غير ماء، ولا قرية، وهذا الاشتباه جره إلى اشتباه، ثم وقع في الاشتباه بين كربلاء وكربله، التي هي قطعة أرض في الجنوب الشرقي من البلدة، وكانت قديماً على امتداد قرية نينوى، وهي لا تزال تسمى بكربله وهي اسمها القديم.
غير أن المستغرب أنَّ السيد هبة الدين الشهرستاني، الذي يعد حجة في القول، تبنّى رأي -إبراهيم حلمي- أيضاً ، والظاهر أنه تأثر بما نقله إليه السيد عبد الحسين الكليدار، من أنَّ في منطقة القرطة آثار محفورة، ورسوم آثارية، وطلول حجرية، حتى أنَّ بعض الأغنياء يجلبون من آجرها القديم لبناء الدور والقصور يبلغ قدر حجم آجرها ذراعاً في ذراع في فتر تقريباً.
وعلى هذا بنى رأيه بأن هذه المنطقة هي كربلاء القديمة قبل الفتح الإسلامي، وهذا مجانب للحقيقة تماماً، إذ أنَّ وجود الشواهد الآثارية ليس دليلاً، فقرى نينوى والغاضرية وكربله هي الأخرى غنية بالآثار والتلول الآثرية، والدلائل تشير الى أنَّ منطقة القرطة كانت سابقاً ضمن حدود النواويس.
وفي ضوء الروايات التاريخية المعتبرة المارة الذكر تكون كربلاء القديمة هي ضمن حدود نينوى والغاضرية وتمتد إلى شارع ابن الحمزة شرقي مدينة كربلاء اليوم، ومن المصاديق على أقوالنا هذه قول الإمام الحسين عليه السلام ((خُطَّ الْمَوْتُ عَلى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلادَةِ عَلى جيدِ الْفَتاةِ، وَما أَوْلَهَني إِلى أَسْلافي اشْتِياقَ يَعْقُوبَ إِلى يُوسُفَ، وَخيرَ لي مَصْرَعٌ أَنَا لاقيهِ، كَأَنّي بِأَوْصالي تُقَطِّعُها عُسْلانُ الْفَلَواتِ بَيْنَ النَّواويسِ وَكَرْبَلاءَ))، إذ إن كربلاء شرق المدينة، والنواويس غربها، والموقع الذي استشهد به الإمام الحسين عليه السلام هو عمورا؛ وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الحسين بن علي عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا بني إنّك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون، وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى (عمورا)، وإنّك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا قوله تعالى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾)) تكون الحرب عليك وعليهم [برداً] وسلاماً. فأبشروا: فو الله لئن قتلونا، فإنّا نرد على نبينا. وإلى هذا أشار الشيخ الطبرسي بالقول: وكون كربلاء مصرع أبي عبد الله عليه السلام وأصحابه فمما لا شك فيه إلا أنه يظهر من بعض القرائن ان المصرع هو (عموراء) قريب منها، وليس فيها، والوجه في النسبة حينئذ قرية بها ككونه في الغاضرية أو نينوى. وحكى عبد الجواد الكليدار بالقول: ثم يتبين من هذه الخطبة أنَّ مصرعه عليه السلام سيكون في موضع يتوسط بين كربلاء والنواويس، وهو في الواقع حيث يقع الآن مرقده الشريف كما بيناه بين شبه الدائرة الممتدة من آثار بقايا القبور القديمة في تل شليت، غربي المدينة والى تل عنك - عنق في الجمالية (الكمالية) فإلى أطراف (القنطرة البيضاء) شمالي المدينة وشمالها الشرقي، وبين الأرض المعروفة بـ كربلاء بالألف المقصورة أي كربله الواقعة في الجنوب الشرقي من كربلاء، وذلك باتفاق أصحاب السير والمقاتل والتاريخ.