يرى الباحث أنَّ الآراء المتقدمة غير ناهضة، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وفي قبولها نظر للأسباب أدناه:
1.الناحية الجغرافية:
أشار الدينوري بقوله: وسار الحسين عليه السلام من قصر بني مقاتل، ومعه الحر بن يزيد، كلما أراد أن يميل نحو البادية منعه، حتى انتهى إلى المكان الذي يسمى (كربلاء) فمال قليلاً متيامناً حتى انتهى إلى (نينوى) وعليه الطبري بالقول: ثم نزل - الإمام الحسين عليه السلام كربلاء - وذلك يوم الخميس، وهو اليوم الثاني من المحرم سنة 61 هـ، فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف ........ قال - عمر بن سعد -: فإني سائر. قال: فأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى. ؛ والثابت من القول لدى أرباب التواريخ والمقاتل؛ أنَّ الامام الحسين عليه السلام نزل نينوى بعد قصر مقاتل، ونينوى تقع في الجهة الشرقية كما مر ذكره سلفاً.
وقال الدينوري: فلما انتهى إليهم، فقال الحسين للحر: سر بنا قليلاً، ثم ننزل. فسار معه حتى أتوا كربلاء، فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين، ومنعوهم من المسير، وقال: انزل بهذا المكان، فالفرات منك قريب . قال الحسين: وما اسم هذا المكان ؟ قالوا له: كربلاء . قال: ذات كرب وبلاء، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين، وأنا معه، فوقف، فسأل عنه، فأخبر باسمه، فقال: هاهنا محط ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل بيت محمد، ينزلون هاهنا.
وفي ذلك قال الحافظ البرسي:
|
لم أنسه وجيوش الـكـفر جـائشـة |
|
والجـيش فـي أمل والـديـن فـي ألم |
|
|
|
تطوف بـالطـف فرسان الضلال به |
|
والحق يسمع والأسـمـاع فـي صـمم |
|
|
|
وللمـنايـا بـفرسـان المنـى عجلٌ |
|
والموت يـسعـى علـى سـاقٍ بلا قدم |
|
|
|
مُسائـلاً ودمـوع الـعـيـن سـائلة |
|
وهو العـلـيـم بعـلـم الـلوح والقلم |
|
|
|
ما إسم هذا الثرى يا قوم ! فـابتدروا |
|
بقولهم يـوصلـون الـكلـم بـالكلـم: |
|
|
|
بكربلا هذه تـدعى فـقـال: أجـل |
|
آجالنـا بـين تـلك الهضـب وآلاكـم |
|
|
|
حطو الرحـال فـحال الموت حلّ بنا |
|
دون الـبــقـاء وغيـر الله لـَم يدم |
|
|
|
يا للرجال لـخطب حلّ مـخـترم الآ |
|
جال معتديـاً فـي الأشـهـر الحـرم |
|
|
|
فها هنا تــصبـح الأكباد مـن ظمأٍ |
|
حرّى وأجـسادها تروى بفـيـض دم |
|
|
|
وها هنا تـصـبح الأقـمـار آفـلة |
|
والشمس فـي طفـل والـبدر في ظلم |
|
|
|
وها هـنا تملـك الـسادات أعبـدها |
|
ظلماً ومخدومـها في قبـضة الـخـدم |
|
|
|
وها هنا تـصــبح الأجـساد ثاويةً |
|
على الـثرى مطعـماً للـبوم والـرخم |
|
|
|
وها هنا بَـعد بُـعد الـدار مـدفنـنا |
|
وموعـد الخصـم عنـد الـواحد الحكم |
|
|
|
وصاح بالصحب هذا الموت فابتدروا |
|
أُسـداً فـرائسـهـا الآسـاد فـي الأجم |
|
|
|
من كل أبيض وضـّاح الجبـين فتىً |
|
يغشى صلى الحرب لا يخشى من الضرم |
|
|
|
من كـلّ منتـدبٍ لله محـتـســبٍ |
|
فـي الله منـتجـب بالله مـعـتـصـم |
|
|
|
وكلّ مصـطلـم الأبـطـال مصطلم |
|
الآجـال ملـتـمـس الآمـال مـستـلم |
|
|
وقد أكد الطبراني هذه الرواية بالقول: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن عبيد، حدثني شرحبيل بن مدرك الجعفي، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه أنه سافر مع علي رضي الله عنه فلما حاذى نينوى قال: صبراً أبا عبد الله، صبراً بشط الفرات. قلت: وما ذاك: قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: هل أغضبك أحد يا رسول الله؟ مالي أرى عينيك مفيضتين؟ قال: قام من عندي جبريل عليه السلام ، فأخبرني أن أمتي تقتل الحسين.
ثم قال: هل لك أن أريك من تربته؟ قلت: نعم، فمد يده فقبض فلما رأيتها لم أملك عينيَّ أن فاضتا.
والروايات المتقدمة تعطينا دلالة واضحة دون أدنى شك أن الإمام الحسين عليه السلام نزل بأرض نينوى ثم كربلاء المجاورة لقرية نينوى والغاضرية الواقعتين شرقي كربلاء حالياً. ومن ثَمَّ أنَّ البقعة التي نزل فيها الحسين عليه السلام تقع شرقي المدينة لا شمالها الغربي.
وفي الحقيقة أنّ كربلاء لم تكن آنذاك حاضرة كبيرة تضم بين جنباتها قرى ومدناً، بل أن كل القرى التي كانت موجودة ومن ضمنها المذكورة سلفاً، من توابع بابل وإن شُهرت كربلاء بوصفها حاضرة إسلامية جاءت بعد أن احتضنت تربتها الجسد المقدس لسيد الشهداء عليه السلام.