و أحد القيّم الدينية التي ترسخها زيارة الأربعين الانصهار في قيّم الدين من ناحية إهمال مكانة و شأن العرق واللون و البلد و اللغة و الجغرافيا، فهذا المظهر الديني الحقيقي و الأخلاقي و الحضاري يتجلى في زيارة الأربعين أيّما تجلي، ويجب أن يتجلى في كل الأزمنة و الأمكنة.
هذه القيمة المعنوية و العملية البارزة و الظاهرة في الزيارة قيمة دينية أساسية، و من أصول الأخلاق الإسلامية في عدم الفرق بين الناس إلا بتقواهم و أعمالهم الصالحة، و تجاهل الفوارق الشكلية العرقية و القومية و اللغوية و المناطقية و غيرها، و قد جاء القرآن و روايات النبي و أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم بذلك، قال تعالى « إِنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم»([1]) .
و رغم التأكيدات من النبي و أهل بيته صلوات الله و سلامه علهم بتوصيات متكررة بمضمون واحد بعدم الفوارق بين الناس إلا بالتقوى، إلا أنّ المسلمين عامة لا زالوا يبتعدون عن تلك القيّم الرئيسية و الأساسية ، وكأمثلة من النصوص المتعددة التي ترشد إلى جعل معيار الكرامة هي التقوى وليس شيء آخر:
ورد في خطبة الوداع عن النبي صلى الله عليه و آله : «يا أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم»([2]).
و عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى»([3]).
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: «لا حسب لقرشي ولا عربي إلا بتواضع ، ولا كرم إلا بتقوى»([4]).
وقد حققت زيارة الأربعين تقدما في تطبيق تلك القيمة الدينية و الحضارية إلى درجة كبيرة، فتلهف قلوب زوار و خدمة الأربعين لكل الزوار، ويتم الترحيب بهم و إكرامهم و توقيرهم جميعا و تتلاشى فوارق القوميات والعرقيات و الجغرافيا، و يكون المحور الرئيس هو حب الحسين و أهل البيت عليهم السلام.
و هذا ما يقلق الأعداء و يوجعهم و يقلّب مضاجعهم، و لمثل هذا يجهد الأعداء و المناوئون و المعاندون لمحو الزيارة أو التقليل من شأنها و عَظَمَتِها، و يسعى بعضهم في إلغاء هذه العقيدة العميقة في وجدان الشيعة، و لذا تُعتبر زيارة الأربعين حقيقة من أهم الأحداث و التجمعات السنوية في العالم، في حين يتم تجاهلها في الأعلام عمدا وقصدا لطمس معالمها و أسبابها و آثارها، ويقوم الحاقدون و الجاهلون بالقتل و التفجيرات لمنعها.
محمد جواد الدمستاني
28-ذي القعدة -١٤٤٣هجري الموافق 28 – 06- 2022 ميلادي
الهوامش
[1] - القرآن الكريم ، سورة الحجرات ، آية 13
[2] - ميزان الحكمة، ج ٤، محمد الريشهري، ص ٨٧٧ ، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، عبد العظيم المنذري، ج ٣ ، ص ٦١٢
[3] - الاختصاص ، الشيخ المفيد (محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري)، ص 353 ، و ذكرها في ميزان الحكمة، ج ٤، محمد الريشهري، ص ٨٧٧
[4] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج1، ص 209 ، و ذكرها في ميزان الحكمة، محمد الريشهري ، ج٤، ص ٨٧٧