الروايات التأريخية
التوصيات
وبناءً على المعطيات المتقدمة:
يقتضي الأمر تصحيح التحريف، وبيان مواطنه، والتنبيه إليه، والتوجّه نحو التعاطي الصحيح مع النهضة الحسينيّة، ضمن أطر وسياقات تُراعي الظروف، والتدرج في الطرح، وتهيئة مقدّمات الفهم والتطبيق. ولاجتناب الوقوع في شراك هذه الفئة، ينبغي على الجميع التزوّد بسلاح العلم والمعرفة، وأن نكون متبصّرين واعين لمفاهيم النهضة الحسينيّة، ومتابعين لما ارتبط بها من أحداث ونصوص بعلم ودراية من مناهلها الحقيقيّة، وأنّ نزن الأمور بميزان العقل والمنطق، وأن نحدد للعاطفة مساحتها.
الرجوع إلى أهل الاختصاص والمعرفة، ممن يعوّل على دينهم. والحال يتطلّب من الكتّاب والمؤرّخين والمهتمين والخطباء والأكاديميين، التصدّي بكلّ حزم إلى هذه الثلّة، وفضحها، وبيان مخططاتها الأمويّة، وتدوين ذلك في مقالات وبحوث ومؤلّفات، إذ إنّ دعواهم اقتصرت حتى الآن على النشر في مواقع التواصل الاجتماعيّ، ولاسيّما اليوتيوب، والحوارات الشفويّة. ولم أقف على مؤلَّف لأحد منهم إلّا لجهة واحدة. غير أنّ الفكرة بدأت تأخذ حيزًا لدى بعض السذّج. والحال يتطلب من الجميع اتباع المنهج العلمي في الاستقراء والتحقيق والمناقشة والاعتماد على الحجج الدامغة من مصادرها المعتبرة والموثوقة والقرائن الدالة. وأسفًا أنّ بعض المحسوبين على الطبقة الأكاديميّة، أخذوا يردّدون هذه المزاعم، وقد ناقشت أغلبهم، فوجدتهم لا يمتلكون أي أدلّة علميّة، معتمدين في ذلك على الاستحسانات الشخصية والالتقاطية دون المقارنة والاستيعاب العلمي؛ لذا فإن الفكرة متشرّبة في نفوسهم، ولا استبعد قيام مجموعة ما بتزوير بعض المخطوطات لأثبات دعواهم.
إنّ من الواجب علينا جميعًا أن نعي ونفهم جيدًا قول الإمام أمير المؤمنينj بطل الإسلام الخالد، الذي بسيفه انتصر الإسلام، نراه يعلن صراحة أنّ الذي أقعده عن المطالبة بحقّه هو قلّة الناصر، وغير خاف على أحد أن من حضر في غدير خم في حجة الوداع في أقل الروايات عشرين الف وكلهم سمعوا النبي الأكرم (عليه أفضل الصلاة والسلام) قال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) وعندما حان الاختبار لم يمتثل لأمر رسول الله a في مؤازرة عليj الا انفار عدة لم يتجاوزوا العشرين شخصًا وهم الذين امتنعوا عن بيعة أبي بكر.
حكى أبو الفداء عن محمد بن عمرو، عن مسلمة بن عبد الرحمن، قال: لما جلس أبو بكر على المنبر. كان علي، والزبير، وناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم. أقول أين رجال المسلمين من هذا الأمر وهم في عاصمة الاسلام ؟!!!.
عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما، أن عليا حمل فاطمة على حمار، وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار، يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار له، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به، فقال على: أكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لا أجهزه، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه ! وقالت فاطمة: ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسبهم عليه
وعندما أشهدهم علي في الرحبة لم يشهد له بذلك الا أثنا عشر رجلًا.
حكى الأميني: خطب علي فقال: أنشد الله امرأ نشدة الإسلام سمع رسول اللهa يوم غدير خم أخذ بيدي يقول: ألست أولى بكم يا معشر المسلمين ؟ من أنفسكم. قالوا: بلى يا رسول الله ؟ قال «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله»، إلا قام فشهد ؟ فقام بضعة عشر رجلا فشهدوا وكتم قوم فما فنوا من الدنيا إلا عموا وبرصوا[
وكذلك كان حال أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) من ولده، فليس بجديد اضطرار الإمام الحسنj إلى مهادنة معاوية (عليه اللعنة)، ولا فاجعة كربلاء الأليمة وما حصل فيها من ظلم لسيّد الشهداءj وأبي الأحرار، وأهل بيتهj، وأنصاره، ولم تكن بمعزلٍ عن سبب قلّة الناصر والمعين والمحامي والمدافع، وهو الحال نفسه الذي استمرّ على بقيّة الأئمّةj، وسيمرّ على الإمام الحجّة بن الحسنj، وإن علّة تأخّر ظهوره المبارك ـ ولعل الجميع يتفق على ذلك ـ هو قلّة الناصر، أي إنعدام القاعدة الكاملة المخلصة المهيأة لاستقبال صاحب الطلعة البهيّة (عليه السلام وعجّل الله فرجه).
اللهم ارزقنا الثبات والتوفيق في الدفاع عن مظلومية أهل البيتj ولعن الله الظالمين لهم من الاولين والاخرين.
الأستاذ عبد الأمير القرشي
باحث إسلامي