الروايات التأريخية
التاريخ الشرقي
في عام 1751م، قام إبراهيم الحَقِلَّاني (1605 - 1664م) المعروف في الغرب باسم Abraham Ecchellensis، بترجمة كتاب "التاريخ الشرقي" الى اللغة اللاتينية عن المخطوط "فاتيكان عربي 166" الذي يعود لعام 1307م، ونُسب هذا العمل إلى أبي شاكر بن الراهب، اعتقاداً أنه هو "كتاب التواريخ". وكانت هذه الترجمة سبباً في شهرة ابن الراهب بين علماء الغرب، أما الحقيقة فهي أن كتاب "التاريخ الشرقي" ما هو إلا اختصارٌ مُخلٌ ومُشوهٌ للأبواب 48 - 50 من "كتاب التواريخ" قام به مجهول بعد عامين من انتهاء ابن الراهب من تأليف "كتاب التواريخ".
وفي عام 1903م، نشر الأب لويس شيخو اليسوعي النصَّ العربي لكتاب "التاريخ الشرقي" عن مخطوط الفاتيكان سابق الذكر مع ترجمة لاتينية جديدة، وذكر شيخو في مقدمته (وفي مؤلفات آخرى فيما بعد) أن هذا الكتاب هو جزء من عمل أكبر لابن الراهب.
وعلى الرغم من ذلك عارض Chaine نسبة كتاب "التاريخ الشرقي" لابن الراهب، واعتقد أن كتاب "التاريخ الشرقي" يعتمد على كتاب "المجموع المبارك" للمكين جرجس ابن العميد، وأخذ برأيه Graf فيما بعد، مؤيداً كلامه أن اقتباس المؤتمن بن العسال من "كتاب التواريخ" لا وجود له في كتاب "التاريخ الشرقي"، علاوة على أن قصة الأسكندر الأكبر الواردة في الترجمة الأثيوبية لكتاب التواريخ غير موجودة هي أيضاً في كتاب "التاريخ الشرقي"، مما جعله يستنتج أن "كتاب التواريخ" لابن الراهب هو عمل مفقود. (انتهى ما نقلته من كلام الدكتور صموئيل قزمان معوض من مقدمة تحقيق كتاب التواريخ لابن الراهب).
نص ما ورد في التاريخ الشرقي
العمود السادس: الحسن بن علي بويع له بالخلافة في الكوفة يوم توفى والده. وفي سنة احدى وأربعين سار معاوية بن أبي سفيان الى الكوفة فالتقى هو والحسن بالكوفة واصطلحا وسلّم الحسن الأمر إليه وبايع له.
وفي أيامه قُتل الحسين يوم الجمعة وكان يوم عاشوراء وقُتل معه تسعة آلاف فارس وكان عمره يوم قتلهِ تسعاً وخمسين سنة.
والشورى بغير خلافة أربعة أيام تضاف إلى الجملة.
العمود السابع: معاوية بن أبي سفيان بويع له بالخلافة وتوفي بدمشق وعمره ثماني وسبعون سنة وكان أبيض طويلاً جاحظ العينين وافر اللحية عريض الصدر كبير العجز وكانت هيبته عظيمة جداً بين الناس.
العمود الثامن: يزيد بن معاوية بويع له بالخلافة يوم توفي والده وكان عمره تسعة وثلاثين سنة وهو قتل الحسين. وكان شديد الأدمة عظيم الهامة في وجهه آثار جدري مجذوم الأصابع ثم سيّر جيشاً وحاصر بخارى وكانت ملكتها امرأة يقال لها خاتون فاستنجدت على المسلمين بملك الصغد وحلفت له أن تتزوج به فجاء لنجدتها بمائة وعشرين ألفاً فحاربوا بعضهم بعضاً واقتتلوا وأرسل فحاصر مكة وأحرق باب الكعبة وخشبها وأسودّ الركن وحاصر المدينة وفتحها وانتهبها وسفك دماءهم ونهب أموالهم.
نلاحظ أهم الأخطاء في هذا النص فقط دون الخوض في بقية الكتاب:
في العمود السادس، لم يتميز أنّ الكاتب يقصد من كلمة "في أيامه قتل الحسين" هل يقصد في أيام الحسنj كما هو السياق عن كل من يترجم له. أم يقصد في أيام معاوية، وكلاهما خطأ تاريخي كبير.
عبارة قُتل معه أي مع الإمام الحسين تسعة آلاف مقاتل وهذا خطأ أكبر من سابقه لان الرقم أكبر من حجم معسكر الأعداء ومعسكر الحسينj مجتمعين وهم أحياء كون بعض الأخبار تقدر عددهم بأربعة آلاف ومعسكر الإمام الحسين (72) مقاتل من الأصحاب.
العمود الثامن: يزيد بن معاوية هو قتل الحسين.
العمود الثامن: يزيد بن معاوية سيّر جيشاً الى بخارى "أوزبكستان" وحارب جيش الصغد، (يقصد جيش مسلم بن زياد بن أبيه) وعبارة "هجم على مكة" الواردة في النص ليست عائدة على جيش الصغد كما يظهر بل على يزيد وما فعله من استباحته لمكة والحرم والمدينة.
الخلاصة
لعلي لا أزيد على كلمتين كتبهما الدكتور صموئيل الأولى في مقدمته لتحقيق كتاب التواريخ لابن الراهب النسخة التي نشرها لويس شيخو فكتب ما نصه: "أما الحقيقة فهي أن كتاب "التاريخ الشرقي" ما هو إلا اختصارٌ مُخلٌ ومُشوهٌ للأبواب 48-50 من "كتاب التواريخ" قام به مجهول". والكلمة الثانية في رسالته لي بشأن ورود معلومات خاطئة عن استشهاد الإمام الحسينj في عمل نشره لويس شيخو منسوب لابن الراهب فكتب لي قائلاً بعد أن عرض علي النص الأصلي لكتاب التواريخ لابن الراهب، أن هذه المعلومات غير موجودة في تواريخ ابن الراهب بكل مخطوطاته الأصلية المكتوبة باللغة العربية فقال لي: "وكما ترى فالمعلومات الخاطئة لا ترد في عمل ابن الراهب".
وعلى ضوء ما مر من عرض أقول: إنّ هذا النص المشوه الذي نشره لويس شيخو، هو ليس من كتابات أبي شاكر ابن الراهب، وقد عارض Chaine نسبة كتاب "التاريخ الشرقي" لابن الراهب، وأظهر ببعض الأدلة أن كتاب "التاريخ الشرقي" يعتمد على كتاب "المجموع المبارك" للمكين جرجس ابن العميد، مما جعل الكثير يتبنى هذا الرأي وقد أخذ برأيه Graf فيما بعد، مؤيداً كلامه أن اقتباس المؤتمن بن العسال من "كتاب التواريخ" لا وجود له في كتاب "التاريخ الشرقي"، إلى غيرها من الاستدلالات. وإلى ذلك المعنى ذهب المحقق عادل سيداروس المختص في نتاج وكتابات ابن الراهب، وكذلك المحقق صموئيل قزمان معوض في تحقيقه لكتاب التواريخ لابن الراهب بقوله عن كتاب "التاريخ الشرقي" إنه عمل مشوه قام به شخص مجهول.
وأعتقد أن للترجمة سبب واضح وأكيد في المعلومات الخاطئة التي نقلت في هذه النسخة فإنّ هذا المجهول بترجمته من اللاتينية او من الأثيوبية لهذا المقدار من الأبواب قد أخطأ في الفهم أو في النقل، فكان لضعف الترجمة وخللها سبباً في تشويه النص. إذ أن أحدهم ترجمه الى اللغة الأثيوبية الجعزية من مخطوطة قديمة من نسخة عربية مكتوبة بعد قرنين من الزمان عن النسخة الاصلية، ومن ثم تمت ترجمتها بالقرن السادس عشر من الأثيوبية الى اللاتينية ومن بعدها من اللاتينية الى اللغة العربية، فوقع الاشتباه في النقل فخلط الناقل بذكر الأحداث بل كان أسلوب الكتابة فيه من التداخل الواضح من عرض الأحداث التي توهم القارئ بأنها تتعلق في جانب وفي الحقيقة هي تختص بجانب آخر.
فالاشتباه الذي وقع به بذكر مقتل الإمام الحسين في ترجمته للامام الحسن اثناء كلامه عن الخلاف بين الإمام الحسن ع ومعاوية فقال إنّ الحسين قتل في عهده، فلم يفهم القارئ مقصوده هل هو في عهد الحسن أو في عهد معاوية، ولعله كان يريد في عهد الحسن لأنّه لم يذكر ذلك في حديثه عن زمن معاوية، فكيف يقصد أنه في عهد الحسن وهو يقول إنّ مدة حكم الحسن قصيرة ولم يحصل بها قتال بل وقع الصلح بينهj وبين معاوية. وإذا كان يقصد في عهد معاوية لماذا لم يذكره في أحداث عهده.
خطأ المترجم واضح في النقل دون أن يراعي الرجوع للمصادر السابقة على تاريخ هذا الكتاب كون السابق حجة على اللاحق وابن بطريق وغيره من المؤرخين سابقين على ابن الراهب وغيره بعدة قرون من الزمان وقد ذكروا أنّ يزيد بن معاويه قد قتل الإمام الحسينj في زمان خلافته وبعد موت أبيه.
الأستاذ عبد الأمير القرشي
باحث إسلامي