بقلم (ياسر الوزني)
سيدي الإمام الحسين كأنك أيقظت جرح العراق
من زمن الأمام الحسين وهذه الإنسانية في عطش شديد الى دماء الشهداء ولعل هذا العطش يزداد كلما ازدادت في حياتنا آفات الأنانية ونسيان المصلحة الخالدة في سبيل المصلحة الزائلة وكل حديث عن الأمام الحسين لابد أن يلامس المصيبة على الرغم من تقادم عهدها وتباين موطنها ولاريب أنها تثير العطف والحنان في نفس أقل القراء إحساساً وأقساهم قلباً.
أعلن الإمام رفضه مبايعة يزيد أمام الوليد بن عتبة والي المدينة المنورة يومذاك، إذ سأل الوليد الأمام الحسين قائلاً "نحن لا نطلب إلا كلمة؟ فلتقل بايعت واذهب بسلام إلى جموع الفقراء، فلتقلها وأذهب يا أبن رسول الله حقناً للدماء، فلتقلها ما أيسرها إن هي إلا كلمة"... الحسين منتفضاً: "كبرت كلمة، وهل البيعة إلا كلمة، وما دين المرء سوى كلمة، وما شرف الله سوى كلمة... ثم قرر الأمام الخروج في الليلة الثانية قاصداً قبر جده "صلى الله عليه وآله" فصلّى ركعتين، فلما فرغ منها جعل يقول: "اللهم إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت محمّد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم وإني أحب المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلا ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى".
في طريق الحسين "عليه السلام" كثر عدد الناصحين له بعدم الخروج إلى العراق، وكان منهم القريب والغريب، والشيخ والشاب، والرجل والمرأة، ثمّ نجدُ الصحابيّ، والتابعيّ، والصديق، والعدوّ، وكانت إجابة الإمام الحسين لكلّ واحدٍ تختلفُ عن إجابته للآَخر، ولكنّ الحقيقةَ واحدةٌ، وسكتَ عن إجابة البعض ثم قصد كربلاء التي "لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها أن تصبح مزارا لكل أدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن أسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الأنسان من تلك التي إقترنت بإسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها... محمود العقاد.
ولعل أول ما يلفت انتباه النقاد العرب في القصيدة العربية، حسن مطلعها، وقد يطلق عليه براعة الاستهلال، أو حسن الابتداء أو حسن الافتتاح لكن القصيدة الحسينية المعاصرة، جاءت متنوعة الموضوعات، فكان لابد للشاعر من مقدرة فنية، تمكنه في الانتقال من غرض إلى آخر، وهو ما أطلق عليه النقاد مصطلح براعة التخلص، أو حسن التخلص فالشاعر "رحيم الشاهر" بدأ قصيدته بقوله عظيم يا حسين وأنت دام حسين... وا حسين من إمام… وفي قصيدة "الحلي بن العرندس" يقول: أيقتل ظمآناً حسين بكربلا... وفي كل عضو من أنامله بحر.
أما "محمد مهدي الجواهري" فيأتي بعبقريته قائلاً "كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ حمراءَ مَبْتُـورَةَ الإصْبَـعِ"… تَمُدُّ إلى عَالَـمٍ بالخُنُـوعِ وَالضَّيْـمِ ذي شَرَقٍ مُتْـرَعِ... ويبدع "عبد الرزاق عبد الواحد" بقوله: قَدِمتُ، وعفوَكَ عن مَقدَمي مَزيجاً من الدّمِ والعَلقَمِ وَبي غَضَبٌ جَلَّ أن أدَّريه... ونَفسٌ أبَتْ أن أقولَ اكظِمي… كأنَّكَ أيقَظتَ جرحَ العراق ..فَتَيَّارُهُ كلُّهُ في دَمي.
أما أجمل المسرحيات التي تناولت الأمام الحسين فكانت "ثأر الله" بجزأيها "الحسين ثائراً" و"الحسين شهيداً" لـ "عبد الرحمن الشرقاوي" التي يستنطق فيها شخصية الأمام "عليه السلام" ويخاطب من خلالها ضمير المسلمين الصامتين الساكتين عن قول الحق في كل زمان ومكان ، يطلب "الشرقاوي" على لسان الحسين أن يتذكره الجميع مستخدماً عبارة "فلتذكروني" ونأخذ بعض من بعضها، "فلتذكروني لا بسفككم دماء الآخرين، بل فاذكروني بالنضال على الطريق لكي يسود العدل فيما بينكم فلتذكروني بالنضال فلتذكروني عندما تغدو الحقيقة وحدها فلتذكروني حين تختلط الشجاعة بالحماقة وإذا المنافع والمكاسب صرن ميزان الصداقة والحق في الأسمال مشلول الخطى حذر السيوف فلتذكروني حين يختلط المزيف بالشريف فلتذكروني حين تشتبه الحقيقة بالخيال وإذا غدا البهتان والتزييف والكذب المجلجل هن آيات النجاح فلتذكروني في الدموع وإذا تحكم فاسقوكم في مصير المؤمنين وإذا اختفى صدح البلبل في حياتكم ليرتفع النباح وتلجلج الحق الصراح فلتذكروني إذا شكا الفقراء واكتظت جيوب الأغنياء فلتذكروني عندما يُفتِى الجهول وحين يستخزى العليم وعندما يهن الحكيم وحين يستعلى الذليل وإذا تبقى فوق مائدة أمرئ ما لا يريد من الطعام وإذا اللسان أذاع ما يأبى الضمير من الكلام فلتذكروني إن رأيتم حاكميكم يكذبون ويغدرون ويفتكون والأقوياء ينافقون والقائمين على مصالحكم يهابون القويّ ولا يراعون الضعيف والصامدين من الرجال غدوا كأشباه الرجال".
في هذا الإطار أصبح الحسين بن علي الشهيد ابن الشهيد رمزاً للحق والثبات على المبدأ رغم الخيانة ومثالًا على هذا المستوى ليس فقط للمسلمين ولكن في التاريخ الإنساني أجمعه، وفي حياة الأمام الحسين قصص للأهل والأصحاب. عبد الله الرضيع، رقية، السجاد زين العابدين، أم البنين، زينب الكبرى، القاسم، العباس أبا الفضل، وآخرين، ومن صحابته الحر الرياحي، وحبيب بن مظاهر ومن على طريق الشهادة مؤمنين أن النفس المطمئنة راجعة الى ربها راضية مرضية.
ومن عظمة ما يعتقده المؤمنون الوقوف بين حرميّ الإماميّن الشهيديّن الحسين وأخيه العباس وقلوبهم وجلة سائلين المولى بالمقام والمكانة والشهادة، "أيا كاشف الكرب عن وجه عبادك الصالحين أكشف الكرب عنا".