سبع روايات في سبعة مصادر وجدتُها منقولة عن ائمة اهل البيت (س) في فضل وثواب زيارة مرقد الحسين ع [ماشياً] كلها تتضافر على الثواب الجزيل والثناء الجميل على زائر الحسين ع وتعطي كل خطوة من خطواته أعظم الأجر عند الله سبحانه وتعالى. ولكنني لم أعثر رواية موثوقة في الذهاب ((مشياً)) لزيارة بقية مراقد الائمة العشرة الاخرين في طوس والعراق والحجاز ولم أجد روايات تحثّ على (الذهاب "مشياً") لزيارة مراقد ذريتهم.
ولربما كانت الأجواء الروحية والمعنوية هي التي تجذب عشرات الملايين من أنصار وأتباع اهل البيت ع ومن المذاهب الاسلامية بل وحتى بعض أتباع الاديان الأخرى يأتون سيراً على الاقدام، في طقوس عبادية ذات صبغة روحية ومعنوية، لكي يزوروا مرقد الحسين ع ويتزودوا من نفحاته المعنوية.
ومنذ سنين طويلة [1973 فما بعد] وُفّقتُ للمشاركة والحضور في هذه الطقوس التي كانت المشاركة فيها مقتصرة على بضعة الاف من الاشخاص (معظمهم من النجف) دون اي كاميرات ولا خدمات ولا مواكب منصوبة على جانبي الطريق الرابط بين النجف الاشرف وكربلاء سوى وجبة طعام في خان الربع وخان النص وخان النخيلة.
وفي عام 1977م خرجت انتفاضة كبرى من النجف الاشرف و تظاهرات تجسد التحدي بعد الاعلان الحكومي عن منع المشاية والتهديد الصارم بقمع المشاركين في المسيرة التي كان البعض يسميها (البياده بالباء المثلثة) .لقد خرجت جموع غاضبة وخاضت مواجهات بالهراوات والقبضات مع شرطة النظام الظالم و جلاوزة أمن البعث المدججين بالأسلحة النارية و البيضاء، وكان المنتفضون يحملون راية كبيرة مكتوباً عليها [يد الله فوق ايديهم] و تم اعدام احد عشر شخصا من النجف واستشهد حامل الراية بالرصاص في الطريق، واعتقل النظام الظالم المئات من الثوار وعُذِّبوا، وكان أحدهم أبي الشاعر الفقيد هادي جبارة.
والمؤسف ان هذه الانتفاضة البطولية لا يكاد يذكرها الكتّاب والصحفيون والمشاية الحاليون رغم أنها كانت أول تحدٍّ للنظام وظلمه وبطشه بحيث استخدمت الحكومة طائرات الميغ 17 و21 واستقدمت الفرقة المدرعة العاشرة من [المحاويل والتاجي] لمواجهة الثوار و اعتقالهم. واعترف بها النظام في وسائل الاعلام الرسمية رغم حرصه الشديد على التكتم على اي تحركات شعبية ضده.
ومنذ سقوط النظام الظالم اتسع نطاق المسيرة الحسينية وأخذ يشارك فيها الملايين . و كنت - وماأزال - ادعو للاستفادة من وجود هذه الحشود الشعبية المؤمنة المليونية من قبل الحوزات العلمية و المثقفين الرساليين، بما ينفع المشاركين بالفوائد المعنوية[فضلا عن الموائد الغذائية السخية] من أجل تعلّم المسائل الشرعية ،ونبذ العادات السيئة، والبدع المشوهة، وترسيخ ثقافة اهل البيت س، و نشر الثقافة القرآنية ، وتقوية الوعي، وبناء الشخصية الرسالية المتعمقة في حب اهل البيت ع ، وإحياء الطقوس عن بصيرة ومعرفة ، و وعي وتعمق، لا عن حب سطحي وعاطفة قشرية والمشي 70 كيلومترا (أو أكثر) دون مغزى وبلا تدبر وتأمل بتوءدة في أهداف ثورة الحسين ع ورسالة جده المصطفى ص ومعرفة الاحكام الشرعية وآيات كتاب الله المجيد.
وفي العام قبل الماضي بادرت الى ترجمة 12 كتيباً عن أهل البيت س مخصصة للفتيان والناشئة، مكتوبة بأسلوب بسيط، للتوزيع المجاني بمئات الالاف على المشاركين في المشاية، إسهاما في التوعية العامة ولم أقبض عن ترجمتها فلسا ولاتومانا واحداً.
لقد كنتُ – وما زلتُ -أتمنى وأطالب بأن تُنصَب خيمٌ أكثر، مخصصة للإجابة عن المسائل الشرعية، والاسئلة العقائدية والايات القرآنية، (مثلا خيمة أو أكثر، بين كل 200متر، وهذا لا يكلف شيئاً من أموال الحقوق الشرعية المتوافرة بكثرة لدى الحوزات العلمية الموقرة، ولكنه يوفر الجانب المعنوي للزيارة ويثقف الزائرين ويجسد المائدة المعنوية لهم للتعرف على الاحكام الدينية والمعاني السامية للثورة الحسينية ومعاني الآيات القرآنية.
وثمة ملاحظاتٌ دونتُها أثناء مسيري في العام قبل الماضي حول ضرورة تشجير الطريق لتوفير الظل من أشعة الشمس المحرقة، و ضرورة توفير عدد اكثر من حاويات النفايات وأكياس القمامة والمرافق الصحية والحمامات وسرادق المبيت، و ضرورة التوقف عن بث المراثي بصوت عالٍ عبر مكبرات الصوت اثناء الاذان وخلال انعقاد الصلاة، احتراما للصلاة التي هي عمود الدين ،والتي استشهد الحسين ع من اجلها ،وكذلك عدم التبذير بالطعام ورمي النعمة نتيجة كثرة أخذ الطعام وتوزيعه وعدم إمكانية أكله كله مع التنوع الموجود فيه والذي يتسبب في عسر للهضم وآلام في المعدة والامعاء.
وبعد انتهاء زيارة الاربعين ثمة مشكلة عويصة في النقل المعاكس لملايين الزوار من كربلاء الى مدنهم حيث يعاني مئات الالاف من الناس من التزاحم على سيارات الشحن العالية [التريلات واللوريات أي الشاحنات الحوضية] وعدم استطاعة النساء والعجزة والاطفال من تسلقها بسرعة وبلا سلالم، وندرة الحافلات والسيارات الصغيرة والتاكسي. فلابد من الاهتمام بعودة الزائر المرهَق وتوفير وسيلة نقل مناسبة للنقل المعاكس الى المدن التي انطلق منها الزائرون.