نشرت صحيفة "دايلي تايمز" الباكستانية، مقالاً للرحّالة والكاتب البريطاني من أصل باكستاني "سيد حسين"، والذي تحدّث من خلاله عن البعد الديني والإنساني الكبير لزيارة أربعينية الإمام الحسين "عليه السلام".
وقال "حسين" في مقاله بعد الصلاة على محمد وآل بيته الأطهار وإستذكار الإمام الحسين الشهيد المظلوم والمبالغة بلعن قاتليه، إن "كل الأديان السماوية لها شهداءها، وبالنسبة للمسلمين من أتباع آل البيت، فإنهم يستذكرون سنوياً وبالملايين حول العالم، ذكرى الأربعين حتى بعد مرور 1400 عام تقريباً على وقوعها، بوصفها يوم للإشادة بتضحية حفيد النبي محمد، الإمام الحسين (صلوات الله عليهما) من أجل العدالة الاجتماعية، حيث تتوافد الحشود الغفيرة لزيارة مرقده المقدس ومرقد أخيه عباس حامل اللواء في مدينة كربلاء وأصحابه الذين قُتلوا في انتفاضتهم ضد الطاغية الأموي يزيد بن معاوية".
وتابع كاتب المقال، أن "يزيد أراد من الحسين، الإعتراف بحكمه وإعطاء الشرعية لقيادته، لكن الإمام (عليه السلام) رفض ذلك بسبب قيمه ومبادئه الأخلاقية، مما تسبب بإستشهاده مع رفاقه الذين تمسّكوا بشرفهم وكرامتهم، حيث لم ينتهي الأمر بالنسبة لهم بإنتهاء معركة كربلاء، وإنما أخذ جيش يزيد نساء وأطفال الحسين كسجناء وسبايا، مجبرين إياهم على السير مقيدين بالسلاسل في العديد من البلدات والمدن التي واجهتهم بالإيذاء حتى تم تقديمهم في النهاية إلى بلاط يزيد ووضعهم في السجن بمدينة دمشق"، مشدداً في سياق المقال إنه "ربما يكون الحسين قد مات، لكن حركته استمرت منذ ذلك الحين، فألقى كل من أخته زينب بنت علي ونجله علي بن الحسين، خطباً قوية ضد يزيد وأمام أنظار وزرائه، مؤكدين بذلك بطلان حكمه وتسلطه على الناس".
وأشار المقال الى أن "زيارة الأربعين أصبحت تقليداً قائماً منذ عام 61 هـ بعد معركة كربلاء، وكان أول تجمّع بشري من هذا القبيل، عندما قام الصحابي جابر بن عبد الله، بزيارة موقع دفن الحسين، لتكون بعدها الأربعون يوماً هي المدة المعتادة للحداد بعد وفاة أحد أفراد الأسرة في معظم التقاليد الإسلامية"، مستدركاً أنه "من المحتمل أن تكون زيارة جابر في العشرين من صفر مصادفةً وأن يوم الأربعين لم يكن له مغزى، لكن هنالك دلالة روحية لبعض الأعداد وهذا ما نراه في القرآن الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بحيث تكرر عدد الأربعين في بعض الآيات القرآنية منها:
"وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰٓ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِنۢ بَعْدِهِۦ وَأَنتُمْ ظَٰلِمُونَ" – البقرة (51)
"قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةًۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ" – المائدة (26)
"وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" – الأعراف (142).
ويضيف "سيد حسين"، أنه "في السنوات الأخيرة، أصبحت زيارة الأربعين حدثاً سنوياً موضع نقاش عالمي، فقد حاز ملف الخدمات والضيافة خلال زيارة الأربعين على موقع في قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو الأممية باعتباره واحداً من أبرز الخصائص الاجتماعية والثقافية للأمة العربية المفتخرة بهذا الحدث الديني، فضلاً عن وصف هذه الزيارة على نطاق واسع بأنها (أكبر تجمع سنوي لأشخاص من جميع أنحاء العالم)، ناهيك عن أنها تتضخم في كل عام بملايين الزوار المرتدين السواد والحاملين بفخر لأعلام بلدانهم بكل انسجام بينهم على شكل أعمدة طويلة تمتد بدون انقطاع لما يقرب من 80 كيلومتراً في ظل خدمات الأكل والمبيت في المواكب التي نصبها المؤمنين على جانبي الطريق".
ولم ينس كاتب المقال، الإشادة بالجهود المبذولة من قبل العراقيين من خدّام المواكب الحسينية، حيث قال إن "المدن والبلدات والقرى العراقية الموالية لآل البيت (عليهم السلام) تخلو من سكّانها خلال فترة عشرين يوماً الخاصة بالزيارة، حيث يخرجون إلى الطرق في حركة جماهيرية منظمة ومحمية جيداً وبصورة لم تشهدها أي منطقة أخرى في العالم"، مضيفاً أن "أبناء العراق يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم للزوار على الرغم من المشاكل الاقتصادية التي يعانونها، والأعداد الهائلة التي ترد الى بلدهم والتي تتراوح بين 12 و17 مليوناً، حيث تبدأ خدمتهم لضيوف الحسين، قبل أسبوعين على الأقل من موعد الأربعين، فتُقام المواكب والهيئات على طول طرق الزوار، الى جانب قاعات الصلاة، ودور الضيافة والأكشاك التي تقدم خدمات متنوعة لضمان عدم تعرّض أي ضيف للجوع أو العطش، الى درجة أن هؤلاء الأشخاص قد أعادوا تعريف مفهوم الضيافة بالكامل، وهو أن يتشرّف المضيف بخدمة ضيوفه الغرباء عنه تماماً، فبعضهم يوفر المال كل شهر من أرباحه الضئيلة من أجل صرفها على زوار الأربعين".
وإختتم الباحث البريطاني مقاله بالتأكيد على إن "زيارة الأربعين هي ممارسة روحية مميزة يشارك فيها مئات الآلاف من المسلمين شيعة وسنة، بل وحتى المسيحيين والزرادشتيين، وما إلى ذلك من أديان وجنسيات مختلفة، بصورة تعكس ما قاله الكاتب السوري المسيحي (إنطوان بارا) بأن الحسين (ليس حكراً على الشيعة أو المسلمين فقط، وإنما هو للعالم كله لأنه يمثّل ضمير الأديان)".