عندما وقع نظري على مجموعة الغسالات المتراصّة مع بعضها على رصيف احد شوارع المدينة القديمة في كربلاء المقدسة، ظننت أنه محل لتصليح الغسالات، لاسيما انه يقع داخل زقاق ضيق وقديم، ثم دققت النظر فوجدت ان هناك يافطة مكتوب عليها، موكب انصار الحسين "عليه السلام" لأهالي منطقة "هويدر" في محافظة ديالى، فاشتـبه عليّ الامر، وبعد لحظات واذا بأحد خدام الموكب يتسلم ملابساً من زبائن بينهم رجال ونساء، ويضعها في غسالاته الممتدة لمسافة تتجاوز العشرة امتار ويقوم بغسلها، فسألت الشاب "غزوان احمد" الذي تسّلم ملابسه تواً بعد غسلها، عن هذا المكان، فأجاب هذا "رحمة من الله، آني وآلاف مثلي عندما نمشي من محافظاتنا الى كربلاء المقدسة نتعرق وتتلوث ملابسنا بالأتربة والاطيان وتصبح رائحتها كريهة، فضلاً عن ما يلحق بالجلد من تقرحات نتيجة تعرق الملابس، وأكثر المواكب الحسينية هي خيم وحتى المواكب المبنية لا توفر هذه الخدمة، لذلك يصعب علينا دائماً غسل ملابسنا لأنها لا تجف وخصوصاً في فصل الشتاء، أما هذا الموكب فهو المعين لنا في اداء شعائرنا بنوع من الراحة، اذ تعرفت عليه قبل خمسة اعوام واصبحت زبون دائم له".
وتشاطره أخته "شيماء احمد"، بالقول "نحن النساء نعتبر عمل هذا الموكب مفيداً جداً لنا، لان المرأة لا تستطيع الحركة بحريّة حتى داخل أمكنة المبيت التي توفرها المواكب الحسينية لأنها تكون دائما داخل خيم او حسينيات، وحتى لو غسلنا ملابسنا فيصعب علينا نشرها او تجفيفها، وهذا الموكب يقدم تلك الخدمات، فيساعد النساء وبالذات ممن إصطحبن اطفالهن الى الزيارة الاربعينية، على غسل الملابس والشعور بالراحة والإستمرار بأداء الشعائر واتمام الزيارة.
خدمة نادرة
"علي مهدي" الخادم في الموكب والمسؤول عن إدارة عمليات الغسل والكوي وتوجيه العاملين فيه، يقول في حديث لوكالات أنباء محلية، إنه "منذ عام 2003، قرر صاحب الموكب الحاج (جعفر عبود الطائي) من مدينة (هويدر) في محافظة ديالى، جعل موكبه متخصصاً بغسل وكوي الملابس للحاجة الماسة لجميع الزائرين لها، فقام بنصب أربعة غسالات وحوض بانيو لغسل الملابس وتجفيفها بالغسالات، وباشر العاملين بعملهم، وفي الوهلة الأولى، لم تلاقي تلك الخطوة القبول، لأن الجميع ظنّ انها محل لتصليح الغسالات أو أن غسل الملابس مقابل ثمن، وبعد تعرّف الناس على الخدمة صار زخماً كبيراً على الموكب حتى زاد عدد الغسالات الى (14) غسالة ومجموعة اخرى مخزونة كإحتياط لتعويض الغسالة التي تعطل، ويقوم مصلح غسالات في محل قريب منا بإصلاح الاعطال فيها لإعادتها الى الخدمة، ويستمر الموكب لمدة (15) يوماً خلال الزيارة الاربعينية، وتعمل تلك الغسالات بثلاث وجبات من الساعة السادسة صباحاً الى التاسعة ليلاً بساعات عمل تصل الى (11) ساعة، وتغسل يومياً تقريباً ألفيّ قطعة تخدم نحو (500) زائر، أما في مجال كوي الملابس فنصبت ثلاثة مكائن لكوي الملابس بالبخار تعمل لمدة تسع ساعات وتكوي بحدود 500 ــ 750 قطعة يومياً بسبب ان ليس كل الملابس المغسولة تكوى".
ملاك متخصص
التفت الموكب الى ضرورة تدريب كادر متخصص على الغسل والكوي، هذا ما أكّده "عباس فاضل" خادم في الموكب، مبيناً أن "على مشغل الغسالة او المكواة ان يعرف عدد القطع الواجب وضعها للغسل والمدة التي تغسل بها ونوع الصابون السائل للألوان، وكذلك طرق التجفيف والكوي، فيتناوب (16) خادماً على غسل وكوي الملابس على مدار اليوم، ويقوم اصحاب الموكب بتوفير مواد الغسيل مثل الزاهي والتايت والشامبو الاسود للملابس السوداء بمبالغ تصل الى قرابة (ثلاثة ملايين دينار) خلال مدة الخدمة، وأما بالنسبة للكهرباء فقد تم تأسيس منظومة كهربائية لجميع المكائن والمكواة، وهو ما دفع اصحاب الموكب الى التفكير بضرورة تطوير الموكب في العام المقبل عبر شراء اربع غسالات (فول اتوماتيك) جديدة ذات سعات عالية"، مشيراً الى أن مجموع الغسالات السابقة تم شرائها بملغ يصل الى "ستة ملايين دينار".
المصدر: http://www.non14.net/public/128581