في ظهور و بيان الحق و الحقيقة، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله «قَدْ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ» .
و المعنى هو قد ظهر و بان الحق لمن له عقل و بصيرة، و الكلام جار مجرى المثل للأمر ينكشف و يظهر، و المقصود هو وجود الدليل الظاهر الساطع على الحقّ، و وضوح طريق النجاة لمن لديه بصيرة و عقل، و أنّ طريق الحق واضح كوضح النّهار، و لا عذر لمن أعرض ونأى.
و في غرر الحكم عن أمير المؤمنين عليه السلام «قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ» ، و في سورة يوسف قال الله تعالى: «قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ» ، حصحص أي ظهر و بان بعد خفاء، و وضح و استقر، و في سورة ق «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» .
و الحكمة و إن كانت مستقلة في نهج البلاغة إلا أنّها في الأصل – كما في تمام نهج البلاغة- من كتاب طويل له عليه السلام أمر أن يقرأ على الناس كل يوم جمعة و فيه أمر الخلافة و خلافته و وقته بعد مقتل محمد بن أبي بكر، و في فقرة الحكمة هذه حث و تحريض على قتال البغاة معاوية و أصحابه، و فيه قال عليه السلام «فَانْتَهُوا بِأَجْمَعِكُمْ عَمّا نَهَيْتُكُمْ،[وَ] أَيْقِظُوا، رَحِمَكُمُ اللّهُ، نَائِمَكُمْ، وَأَجْمِعُوا عَلى حَقِّكُمْ، وَتَجَرَّدُوا لِحَرْبِ عَدُوِّكُمْ، فَقَدْ أَبْدَتِ الرَّغْوَةُ عَنِ الصَّريخِ، وَ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذي عَيْنَيْنِ، فَانْتَبِهُوا، إِنَّمَا أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ الطُّلَقَاءَ وَأَبْنَاءَ الطُّلَقَاءِ، وَأَهْلَ الْجَفَاءِ، وَمَنْ أَسْلَمَ كَرْهاً» .
و ذكر بعضه الشريف الرضي في الخطبة رقم 172 من نهج البلاغة، فيقابل هذه الخطبة هذا الكتاب تقريبا، و لعل الخلاف في تصنيفه و تسميته كتاب أو خطبة من كونه مكتوب فهو كتاب، و أنّه يخاطب به جمعًا من النَّاس و يُقرأ عليهم فهو خُطبة.
و أيا كان فالحكمة و إن كانت في سياق بيان وضوح الحق معه عليه السلام و فيه و أنّه على الحق و خصومه على الباطل، و أنّ الفئة الباغية هي معاوية و أصحابه إلا أنّ الكلام عام و هو أنّ الحق واضح ساطع بيّن لمن لديه عقل و فهم و بصيرة، و الحق أحق أن يُتّبع.
وإذا الحق واضح و جلي و بيّن فيجب اتباعه، و من لم يردّ الحق و لا اتّباع الحق فإنّ كل الحجج و الأدلة و البراهين لا تنفعه و لا تحرك فيه قناعة، و كل ما جاءه برهان ليثبت له الحقيقة يزداد ضلالا و غيّا، و من لا يتبع الحق بعد وضوحه فهو أعمى البصيرة.
و الحق أنّ الإسلام خاتم الأديان و تبيّنت الحقيقة و قامت الحجّة على الجميع، فيجب اتباعه و عدم التخلف عنه.
و الحق أنّ نبيّنا الأكرم محمد (ص) خاتم الأنبياء فيجب الاعتقاد به و اتباعه، «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» .
و الحق أنّ أمير المؤمنين (ع) وصيّ رسول الله و خليفته من بعده، و روي عن النبي (ص) «إِنَّ هَذَا أَخِي وَ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا» ، فيجب اتّباعه.
و إنّه عليه السلام الحق و الحق معه من ضمن النصوص التي امتلئت بها كتب المسلمين بفضله و عظمته و مقامه، و منها ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه و آله: «حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله، ولي علي ولي الله، و عدو علي عدو الله،..، حب علي إيمان وبغضه كفر،..، علي مع الحق و الحق معه، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض، علي قسيم الجنة و النار، من فارق عليا فقد فارقني، و من فارقني فقد فارق الله عز وجل» ، و هذه الروايات مؤكدة في كتب العامة، و بإمكان مراجعة كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة و غيره من الكتب المعتبرة.
و المواقف و النصوص في عهد رسول الله و منه صلى الله عليه و آله تؤكد خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، و منها:
واقعة الغدير و نصّ حديث الغدير، و هي من أهم الوقائع التاريخية في حياة الأمة الإسلامية، حيث قام الرسول الأكرم (ص) بعد عودتة من حجّة الوداع و التوقّف في منطقة غدير خُمّ بإبلاغ المسلمين بالأمر الإلهي الصادر بتنصيب علي بن أبي طالب (ع) إماماً للمسلمين وخليفة له عليهم، و التي انتهت بمبايعته (ع) من قبل كبار الصحابة وجميع الحجاج الحاضرين في غدير خم، و قال (ص): «ألا مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ، اَللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ اُنْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ اُخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» .
وحديث الثّقلين الدالّ على أنّ من لم يتمسّك بالكتاب و عترة النبي أهل بيته فهو ضالّ، قال (ص): «إِنِّي مُخْلِفٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اَللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ» ، و من يتمسك بهما فهو المُهتدي.
و حديث المنزلة «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي» و غيرها من الأحاديث.
و كذلك النصوص المعتبرة على الأئمة الأوصياء المعصومون، في روايات المسلمين عامة، فعلى الأمّة الرجوع إليهم، والأخذ عنهم عليهم السلام و اتّباعهم.
ولكن من ليس له عينان لا يرى النور و لا يضيف له الصبح ضياء فيبقى على عتمته و ظلامه، فإذا ما قلت لهم أنّ هذه الأحاديث واضحة بيّنة جلية لا لبس فيها و متواترة عند المسلمين، و منها: «فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ» ، «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى»، «إِنِّي مُخْلِفٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا..»، و تأتي بعشرات الأحاديث الدالة على اتباعهم عليهم السلام فإنّهم لا يفقهون و لا يهتدون، ذلك أنّ الأمر يحتاج إلى بصيرة، و بُعد عن العصبيات و الأهواء، و من ليس له عينان و لا بصيرة، فلن يفقه و لن يهتدي، «قَدْ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ» فقط، و من يفتقدهما لا صبح يضيء له.
و تقول لبعض القوم الرواية الصحيحة «كتاب الله و عترتي» في كتب المسلمين فيهملون الصحيح «و عترتي» و يتمسكون بغيره «و سنتي»، تقول لهم أنتم تروون لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، بل بالصلاة الكاملة و هي اللهم صلّ على محمد و آل محمد، فيصّرون على بتر الصلاة عنادا و جهلا فلا يذكرون آل محمد (ص)، تقول لهم يزيد فاسق فاجر شارب للخمور قتل الحسين سيد شباب أهل الجنّة و ذرية رسول الله (ص) و استباح جيشه المدينة و عمل الفضائع و انتهاك الأعراض و سفك الدماء و قتل الصحابة فيترحمون عليه و يمجدونه، فهذه جماعة لا روح فيها و لا إيمان و لا بصيرة «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» .
و هذا الحكمة و المثل جاري في الأحداث و المواقف في مختلف أمصارها و أعصارها و جهاتها من سياسية و عسكرية و اجتماعية و غيرها، فترى شعوبا تُقتل و تٌهدم منازلها و يُحاصر أطفالها مقهورة مظلومة، و ترى من يفتقد عيناه بل إنسانيته فلا يرى هذه الجرائم شيئا يُذكر و يبرر للظالمين ظلمهم.
اللهم اجعل النور في بصري والبصيرة في ديني واليقين في قلبي، و الحمد لله ربّ العالمين، و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.
المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز
المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز