الرزق ميسور للعباد و لكنهم يتخبطون في الحصول عليه، و القلة القليلة منهم من يطلب الرزق من حله مراعيا التقوى في طلبه مبتعدا عن الكسب الحرام و محتاطا في الشبهات، و كثير من الناس لا يبالي من أين جاء الرزق و المال، و بعضهم لا يتوقف عند الشبهات حيث يغريه المال في تجاوز الحدود أو التسامح معها، و مع هذا فإنّ الرزق مقسوم لصاحبه، و قد ذكر رسول الله هذا المعنى فعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «ألا و إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، و لا يحمل أحدكم استبطاء شئ من الرزق أن يطلبه بغير حله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته» .
و روي عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في حجة الوداع: «ألا إن الروح الأمين ... و أجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله فإنّ الله تبارك و تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما، فمن اتقى الله عز وجل و صبر أتاه الله برزقه من حله، و من هتك حجاب الستر و عجّل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة» .
و يقسّم الرزق بقسمين من ناحية الحلية و الحرمة، فالرزق مقسوم و ليسع الإنسان للظفر به من حله و يتجنب أن يحصل عليه بالحرام، و عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «و أعلموا أن الرزق رزقان: فرزق تطلبونه، ورزق يطلبكم، فاطلبوا أرزاقكم من حلال، فإنكم آكلوها حلالا إن طلبتموها من وجوهها، وإن لم تطلبوها من وجوهها أكلتموها حراما، وهي أرزاقكم لابد لكم من أكلها» .
و قد أمر الله سبحانه و تعالى عبيده و خلقه بالأكل الحلال الطيب، قال تعالى: (يا ايها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) ، و قال سبحانه و تعالى: (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله) ، و هو الرزاق الكريم: (و الله يرزق من يشاء بغير حساب) ، و قد وعد من يتقيه بالرزق من حيث لا يحتسب، فقال سبحانه: (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب) .
و روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله: أيها الناس إن الرزق مقسوم لن يعدو امرؤ ما قسم له فأجملوا في الطلب: وإن العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له، فبادروا قبل نفاذ الأجل، والأعمال محصية» .
و قال أمير المؤمنين في وصيته لابنه الإمام الحسن عليهما السلام: «فخفض في الطلب، و أجمل في المكتسب، فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، وليس كل طالب بناج، وكل مجمل بمحتاج» . و قال عليه السلام: «خذ من الدنيا ما أتاك وتول عما تولى عنك فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب» .
و قال الإمام الصادق عليه السلام: «لو كان العبد في جحر لأتاه الله برزقه فأجملوا في الطلب» .
و عنه (عليه السلام): «لا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه، و اطلب فإنه يأتيك ما قسم لك» .
و قد يقوم العبد بكثير من الحيّل دون نتائج كثيرة في الرزق المراد، و قد يأتيه رزقه الكثير مع قلة حيلته، و في هذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: «كم من متعب نفسه مقتر عليه، و مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير» .
و قال عليه السلام: «اعلموا أن عبدا و إن ضعفت حيلته، و وهنت مكيدته إنّه لن ينقص مما قدر الله له، و إن قوي عبد في شدة الحيلة و قوة المكيدة أنّه لن يزداد على ما قدر الله له» .
فهذا حال الدنيا لا ينال كثيرا مما فيها بالحيّل، قال الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله تعالى وسع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء و يعلموا أن الدّنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة» .
و الرزق مضمون لمن طلبه كما عن أمير المرمنين عليه السلام: «اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه» .
و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «العبادة عشرة أجزاء تسعة أجزاء في طلب الحلال» . و روي عنه (صلى الله عليه و آله و سلم): «العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال» .
و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة» .
و عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال» .
وعنه (صلى الله عليه و آله): «من أكل من كد يده نظر الله إليه بالرحمة ثم لا يعذبه أبدا» .
و قال الفضل بن أبي قرة: «دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يعمل في حائط له فقلنا: جعلنا الله فداك دعنا نعمل لك أو تعمله الغلمان، قال: لا، دعوني فإني أشتهي أن يراني الله عز وجل أعمل بيدي، وأطلب الحلال في أذى نفسي» .

المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز