لم يكن شيخاً عادياً، بل فارساً من طرازٍ نادر، جمع بين الإيمان، والبصيرة، والشجاعة، حتى وهو ضرير، وقف وحده في وجه الطغيان الأموي بعد واقعة كربلاء، إنه الصحابي الجليل "عبد الله بن عفيف الأزدي"، صوت الحق في زمن الصمت، وسيف الكرامة في وجه السقوط.
كان "الأزدي"، من خواص أصحاب الإمام علي "عليه السلام"، وظل في ركابه في معارك الجمل والنهروان، وهناك فقد إحدى عينيه، ثم فقد الأخرى في صفين، لكنه لم يفقد بصيرته التي كانت ترشد قلبه إلى الحق، وبعد استشهاد أمير المؤمنين، لازم الإمام الحسن "عليه السلام"، ثم اختار العزلة بعد أن ضاق الفضاء بحرية الولاء لأهل البيت.
وفي مسجد الكوفة، وبينما كان ابن زياد يوزع الجوائز على القتلة العائدين من كربلاء، ويتطاول على الإمام الحسين "عليه السلام" وأصحابه، وقف الأزدي في وسط المسجد، وصاح بصوتٍ أرعب الطغاة: "إن الكذاب ابن الكذاب، أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه يا عدو الله!"
وعلى إثرها، أصدر ابن زياد أمر القبض عليه فوراً، لكن عشيرته أنقذته، فحاصره جنود السلطة في منزله، وهناك وقف الشيخ الضرير، يمسك بسيفه، ويصرخ ببطولة:
أنا ابن ذي الفضلِ عفيفِ الطاهرِ عفيفُ شيخي وابنُ أمِّ عامرِ
وفي مواجهةٍ مهيبة، قتل أكثر من عشرين مقاتلاً من المشاركين في قتل الإمام الحسين، قبل أن يتمكن جنود ابن زياد، وبعد قتال عنيف، من أسره، لكنه لم يبدُ مهزوماً، بل رافع الرأس، شامخ الكلمة.
وحين أدخلوه على ابن زياد، سأله هذا الطاغية عن عثمان بن عفان، فردّ عليه بجواب أربك المجلس:
"ما أنت وعثمان؟ سلني عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه!"
ثم قالها من أعماق يقينه:
"كنتُ أسأل الله أن يرزقني الشهادة على يد ألعن خلقه، والحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها.
وهكذا، أصدر ابن زياد حكمه الأخير، وضربت عنق عبد الله الأزدي، وصلب جسده الطاهر في "السبخة"، ليكون شاهداً أبدياً على أن صوت الحق لا يموت، حتى وإن غاب البصر.
المصدر: سعيد رشيد زميزم، رجال ثأروا لدم الحسين، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2021، ص20-24.