حين فشلت ماكينة التزوير الأموية في إسكات صوت الطف، وحين انهارت فتاوى السلاطين أمام دم الحسين "عليه السلام"، اتجهوا منها إلى خطة أخطر متمثلة بالاختراق من الداخل الشيعي.
هذا الإختراق لم ينطق بصوت يزيد، بل بلسان يزعم حب الحسين، وبعبارات العزاء، تُزرع السموم في العقول، وبالدموع الزائفة، يُطعن المشروع الحسيني من الظهر.
وكان شخوص هذه الفئة ظاهرياً، مدافعين عن سيد الشهداء "عليه السلام"، لكن باطناً، يهدمون نهضته لبنةً تلو الأخرى، فبعضهم يزعم أن المعركة لم تكن كما نعرف، حيث استمرت لثلاثة أيام، وكان عدد أصحاب الحسين "عليه السلام" بالمئات، بل الآلاف، ثم يلقون الشبهة الكبرى، وهي أنه لا يُعقل أن يواجه ثلاثون ألف مقاتل 73 رجلاً فقط، فهذه أسطورة عاطفية لا منطق فيها حسب زعمهم.
بهذا السلاح الجديد، يسعون إلى زعزعة الوعي، وتفريغ النهضة من رمزيتها، فهل نسي هؤلاء أو تناسى أن موسى "عليه السلام" لم يؤمن به إلا قليل من قومه؟، وهل جهلوا أن نوحاً صعد سفينة التاريخ بلا أنصار تقريبًا؟، بل هل غاب عنهم قول الله تعالى: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا، وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ - (هود: 27)، وقوله "جل وعلا"، ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ - (الشعراء: 111).
فالأنبياء أنفسهم عانوا من قلة الأنصار، فكيف تستنكرون أن يقف الحسين وحده، وقد خُذل من الكوفة، وأحاطت به الخيانة؟
ويُسقط كتاب "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد، وضمن فصوله المتنوعة، جميع الادعاءات المتهافتة التي زُجّت باسم "المنهج العقلي"، ويفند الأكذوبة القائلة إن أصحاب الحسين كانوا بالآلاف، بل ويُثبت بالأدلة والتحقيق أن العدد القليل كان حقيقة، ومعجزة، ومفخرة، لا نقيصة، فالقلّة المؤمنة الواعية هي السِمة المتكررة في كل ثورات الحق منذ آدم إلى الخاتم.
ويقدّم الكتاب رسالة هامة مفادها أن الخطر ليس في سهام يزيد فقط، بل في خناجر "المتباكين"، الذين يُصفّقون للحسين نهاراً، ثم يشككون في نهضته ليلاً، داعياً إلى الحذر من الأقوال الباطلة، فكربلاء لا تُحيا بالشعارات، بل بالوعي، والولاء، والصدق في القول والفعل.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص67-68.