الإمامة في اطارها الفكري حسب العقيدة الشيعية فإنها لم تتبلور في عصر الإمام زين العابدين عليه السلام ، فلم يك يفهمها أو يدين بها إلا أقل القليل من خواص الشيعة من الذين صهرت نفوسهم تعاليم الإسلام وقيمه .يقول الحسين بن عبد الوهاب : ( وصارت الإمامة - في عصر الإمام - مكتومة مستورة ، إلا ممن اتبعه من المؤمنين ) .ولقد أحاطت بالإمام مجموعة من العوامل الرهيبة لم تدعه يتمكن من إظهار المعطيات الضخمة للإمامة ، وبيان الحق أصولاً وفروعاً ، إلا لطائفة قليلة من خواصه وشيعته. وذكر الكشي في ترجمة سعيد بن المسيب أن الفضل بن شاذان ، قال : «لم يكن في زمان علي بن الحسين عليه السلام في أول أمره إلا خمسة أنفس : سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب ، ومحمد بن جبير بن مطعم ، ويحيى بن أم الطويل ، وأبو خالد الكابلي ، فهؤلاء كانوا يعرفون الإمامة ويدينون بها دون غيرهم) ولقد اعتزل الإمام عن الناس فترة من الزمن، كما اعتزل جده الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أيام الخلفاء، وصار جليس بيته ، وقد ضرب الإمام زين العابدين عليه السلام لنفسه بيتاً من الشعر خارج المدينة مشتغلاً بالعبادة ونشر العلم ، وقد حقن بذلك دمه ودماء البقية الباقية من أهل البيت عليهم السلام وأنقذهم من شر ذلك الحكم الأسود الذي امتحن به المسلمون امتحاناً عسيراً. وعلى أي حال، فإن المجتمع الإسلامي لم يع الأهداف المشرقة التي تنشدها الإمامة ، كما لم يع الصفات الرفيعة التي يجب أن تتوفر في الإمام من العصمة ووفور العلم ، والدراية التامة بما تحتاج إليه الأمة في مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويعود السبب في ذلك إلى اضطهاد الشيعة رسمياً ، وتصفيتهم جسدياً ، وزج الكثير منهم في ظلمات السجون، وحجبهم عن الإمام السجاد عليه السلام ، وذلك من قبل الدولة الأموية العفنة التي ما تركت لوناً من ألوان الظلم والجور إلا صبته على المسلمين.
المصدر / موسوعة سيرة اهل البيت / الشيخ باقر شريف القرشي / ص ١٢١