في خطوة علمية وروحية تحمل بُعداً عابراً للحدود، أعلنت هيأة الحج والزيارة الإيرانية عن ترجمة ونشر كتاب "المراقد والمقامات في كربلاء" لمؤلفه الأستاذ الحاج "عبد الأمير القريشي"، والصادر عام 2008، إلى اللغة الفارسية، وتوزيعه على نطاق واسع داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في مبادرة تهدف إلى تعزيز الوعي التاريخي والمعرفي بمكانة كربلاء ورموزها المكانية في الضمير الشيعي والعالمي.
هذا الكتاب، الذي جاء تتويجاً لجهد بحثي ميداني ومعرفي عميق، يُعيد الاعتبار لما أغفلته الكثير من الكتابات التاريخية، من خلال توثيق شامل ودقيق لكل المعالم والمراقد والمقامات في كربلاء المقدسة، لا سيما تلك التي شكّلت امتداداً حياً لملحمة الطف، كالمخيم الحسيني، والتل الزينبي، ومقام أبي الفضل العباس "عليه السلام"، وغيرها من المواقع التي بقيت شواهد دامغة على وحشية الطغاة، وعظمة المظلومية الحسينية.
وجاء في مقدمة هذا الإصدار العلمي الفريد، أن كربلاء ليست فقط مدينة للزيارة، بل هي ذاكرة الأمة المتجددة، وموقع لصياغة الهوية الشيعية، ومنصة تُحدِّث العالم عن الكرامة والرفض والتضحية.
كما تضمن الكتاب، الدعوة إلى تجاوز النظرة النمطية التي تحصر الحديث في الروضة الحسينية فقط، دون الالتفات إلى المواقع الأخرى التي تحمل رمزية لا تقل قداسةً وبلاغةً في التعبير عن المأساة والنهضة.
وقد وجدت الهيأة في هذا الكتاب عملاً يرقى إلى أن يكون مرجعاً ثقافياً ومعرفياً لا غنى عنه للقراء الناطقين بالفارسية، مؤكدةً إن هذه الترجمة تأتي في سياق مشروع متكامل لإحياء الذاكرة الحسينية المكانية وإشراك العالم الإسلامي في إعادة اكتشاف كربلاء من زاوية الوعي المكاني المندمج بالرسالة الإلهية.
ويأمل الباحثون والقائمون على المشروع أن تسهم هذه الترجمة في ترسيخ رمزية كربلاء في الوجدان الفارسي، وأن تفتح الباب أمام المزيد من الدراسات العابرة للغات حول المعالم المقدسة، بوصفها شواهد حيّة لا تموت على تاريخ الشهادة والخلود.
وبهذا الإنجاز، يخطو كتاب "المراقد والمقامات في كربلاء" خطوة جديدة نحو العالمية، حاملاً همّ كربلاء من ترابها إلى لغات الأمم، ومن شواهدها المكانية إلى ضمائر الشعوب الباحثة عن النور والحق.