في خطوة جريئة لإعادة قراءة التاريخ الإسلامي بعيداً عن التزييف والتلميع، أصدر مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة كتاباً هاماً بعنوان "صفحات من حياة معاوية بن أبي سفيان" بقلم الخطيب المحقق العلامة السيد محمد كاظم القزويني "قدّس سره"، ككتابٌ موسوعيٌ توثيقيٌ يعري التاريخ السياسي الأموي ويكشف كيف تأسس خطاب التزوير والتقديس الذي ما زال يُمارَس حتى اليوم.
يقوم المؤلف في هذا الكتاب بفتح ملف إحدى أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في التاريخ الإسلامي، لا باعتبارها مجرد شخصية سياسية، بل باعتبارها نقطة انعطاف خطيرة في تاريخ الانحراف عن خط النبوة والعدل والشورى.
هذا ويفكك الكتاب بالأدلة والتحليل، الصورة الدعائية التي رسمها الإعلام الأموي لمعاوية بن أبي سفيان بوصفه "كاتب وحي" و"خليفة راشداً" مزعوماً، ويقدّمه في ضوء الروايات المتواترة والشواهد من كتب الفريقين، باعتباره مهندساً لمشروع التضليل، وعراباً لتحويل الحكم الإسلامي إلى ملك عضوض يقوم على التوريث والعصبية وقمع أهل الحق.
ينقسم الكتاب إلى عدة محاور مفصلية، أولها النشأة العائلية لمعاوية في ظل أبو سفيان وهند، كرموز للمعارضة العنيفة للإسلام في مراحله الأولى، متبوعاً بإسلامه الشكلي بعد فتح مكة، وتحركاته السياسية لاحقاً لضرب خط أهل البيت "عليهم السلام"، ومن ثم دوره في صفّين ومعركة الإعلام ضد الإمام علي، وتورطه في اغتيال الإمام الحسن "عليهما السلام".
ومن بين المحاور الأخرى التي تناولها الكتاب، هي منظومة معاوية الإعلامية التضليلية والتي رسخت سبّ الإمام علي على المنابر عقوداً طويلة، فضلاً عن محاولاته لاقتلاع المشروع المحمدي الأصيل واستبداله بنظام قائم على القمع والوراثة.
يمتاز الكتاب بمنهجه العلمي الرصين وأسلوبه الخطابي الجاذب، حيث استطاع المؤلف الجمع بين التحقيق الدقيق والطرح التبليغي الهادف، مما يجعله مناسباً لكل من الباحثين المتخصصين والقراء المهتمين بتصحيح المسارات التاريخية المغلوطة.