ضمن سلسلة التحقيقات التي إستند إليها الأستاذ الباحث "عبد الأمير القريشي" في كتابه "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، تكشّف فصل مأساوي من حرب ما بعد عاشوراء، والتي تم خوض غمارها بالأقلام لا بالسيوف.
ووفقاً للكتاب، فحين عجزت سيوف بني أمية عن دفن نور كربلاء، أشهروا حبر التزوير، وبدأوا حملة "اختلاق الفضائل"، لتحجيم مكانة آل محمد "صلوات الله عليهم"، وتلميع الوجوه السوداء لأعدائهم.
وكان معاوية هو أول من "دوّن" الفضائل بالأكاذيب، حيث لم يكن اختلاق الفضائل مجرد انحراف شخصي أو غلو عاطفي، بل بات سياسة دولة رسمية أعلنها معاوية بن أبي سفيان بنفسه.
وقد روى المؤرخ المعروف "المدائني" ونقله عنه "ابن عرفة" المعروف بـ "نفطويه"، أن "معاوية كتب إلى عمّاله أن يدعوا الناس إلى رواية فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، وألّا يتركوا خبراً في عليّ إلا وأتوا بما يناقضه في غيره، حتى يُدْحض به الحجة، وتُطمَس مناقبه".
ثم أُمِرت المساجد والمدارس والكتاتيب بتعليم الأطفال تلك "الفضائل" المكذوبة، حتى صارت تُلقّن كأنها قرآنٌ موازٍ يعلَّم للخدم والنساء والصبيان!
ولما شاع بين الناس أن رأس الإمام الحسين "عليه السلام" قد قرأ القرآن في طريقه إلى يزيد، وأصبح هذا برهاناً سماوياً على طهارته وحقّه، لم تجد الأقلام الأموية بُدّاً من اختلاق قصة مماثلة لتقويض هذه الكرامة، فقالوا إن رأس "أحمد بن نصر" وهو أحد القتلى في موقعة المحنة، قد قرأ هو الآخر القرآن وهو مصلوب، بل زادوا أن رأسه كان يستدير للقبلة ليلاً ويقرأ سورة "يس"، وراحوا يتناقلون ذلك على أنه كرامة تضاهي كرامة الحسين.
وقد فجّر العلامة "الأميني"، صاحب موسوعة "الغدير"، هذه الفرية بقوله إن هذه أضحوكة مكشوفة، لا يحسب الخطيب أو ابن الجوزي أنهما يصدقانها، لكنهم اضطروا لاختلاقها تخفيفاً من الأثر المدوي لرأس بضعة المصطفى الذي نطق بالقرآن.
يذكر أن التزوير لم يقف عند الرؤوس الطاهرة فحسب، بل وصل الأمر إلى تزوير لحظات الميلاد نفسها، فقالوا إن "حكيم بن حزام" قد وُلِد في جوف الكعبة، في محاولة لتقليد الكرامة الفريدة التي اختص الله بها أمير المؤمنين علي "عليه السلام" في مسعى مكشوف لسحب البساط من أهل بيت النبوة، ومنع تعظيمهم بإختلاق ما يُشبههم ولو بالكذب البواح.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص48-52.