يؤكد كتاب "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، إن المحاولات الرامية إلى تقليد الشعائر العاشورائية أو صرف الناس عنها كانت قد بدأت مبكراً جداً، لكنها اتخذت طابعاً سياسياً ودينياً خطيراً في أواخر القرن الرابع الهجري.
ففي رواية لافتة نقلها ابن الجوزي، يذكر أنه في عام ٣٨٩هـ، أن الشيعة في بغداد قد أحيوا ذكرى عيد الغدير، بنصب القباب، وتعليق الرايات، وإضاءة الليالي، ونحر الجِمال، وإظهار الزينة، وكانت الفعالية ضخمة، ومؤثرة، وذات طابع شعبي واسع النطاق.
لكن الصدمة وفقاً للرواية أن الطائفة الحنبلية لم تحتمل هذا الحضور الجماهيري، فقررت الرد لا بالحوار، بل بالاختراع، حيث قررت في رد فعل واضح يكشف قلقاً من تصاعد تأثير الشعائر الشيعية، بإطلاق مناسبات بديلة ملفقة، فادّعى أتباع هذه الطائفة أن اليوم الثامن بعد الغدير هو اليوم الذي مكث فيه النبي "صلى الله عليه وآله" في الغار مع أبي بكر، وأقاموا احتفالات تماثل ما يُفعل في الغدير.
كما ابتكروا مناسبة أخرى بعد ثمانية أيام من عاشوراء، مدّعين أن هذا اليوم يوافق مقتل مصعب بن الزبير، وجعلوا له زيارة في "مسكن" تشبه زيارة الإمام الحسين "عليه السلام" في كربلاء، كمحاولة مكشوفة لمعادلة ذكرى عاشوراء بذكرى سياسية أخرى لا تمتّ للعقيدة بصلة.
ووفقاً للقريشي فإن الهدف من هذه الإبتداعات هو محاولة تفريغ الشعائر الحسينية من تفرّدها، وإيجاد “مناسبات موازية” تصرف الجماهير عن عاشوراء، حتى وإن لم يكن هذا السلوك نابعاً من حب مصعب أو توقير حادثة الغار، بل من خوف حقيقي من صعود الخط الحسيني كقوة ثورية دينية تواجه الظلم والطغيان.
وعلى الرغم من هذه المحاولات، فإن ما يريده الله ليس كاختراعات البشر، حيث يختتم الكاتب هذا الفصل بإشارة بليغة مفادها أن ما يريده الإنسان شيء، وما تريده السماء شيء آخر، فهو صراع الحق والباطل وقد قال الباري "سبحانه وتعالى" (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) - الروم: (47).
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص47-48.