في الدراسة المعنونة بـ "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، يكشف الأستاذ "عبد الأمير القريشي" أن المعركة ضد الحسين "عليه السلام" لم تنتهِ بسقوطه شهيداً على رمضاء كربلاء، بل بدأت بعد ذلك معركة أشد قسوة هي محو الإمام "عليه السلام" من الذاكرة، وسحق كل ما يمتّ إلى عاشوراء بصلة.
هذا المخطط الجهنمي لم يكن عفوياً أو لحظيّاً، بل ممنهجاً ومستمراً على مرّ العصور، من فتاوى فقهية إلى هجمات تفجيرية، وهي بالمجمل تهدف إلى خنق هذه الشعيرة التي لا تزال تُرعب عروش الظالمين.
يذكر أن أول أسلوب قمعي من هذا النوع قد تجلّى في تحريم رواية مقتل الإمام الحسين "عليه السلام"، والتشنيع على من يقيم المآتم أو يحيي ذكرى عاشوراء، وأبرز من قام بهذا الدور كان "أبو حامد الغزالي"، الذي أفتى قائلاً إنه "يحرم على الواعظ وغيره، رواية مقتل الحسين وحكاياته، وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم، فإنه يهيّج على بغض الصحابة والطعن فيهم، وهم أعلام الدين" حسب زعمه.
لكن الحقيقة، كما يفككها "القريشي"، أن هذه الفتوى لم تكن دينية بقدر ما كانت سياسية، وأن هدفها الحقيقي كان خدمة السلطات الظالمة، وكتم أصوات الشعوب التي وجدت في الحسين رمزاً للرفض والثورة.
أما الأسلوب الثاني في مواجهة الشعائر الحسينية، فكان العنف الدموي حيث لم يكتف الطغاة بالتحريم النظري، بل أطلقوا جلاوزتهم وأزلامهم لممارسة القمع المفرط ضد كل من يحيي ذكرى عاشوراء، فمنذ القرن الرابع الهجري، كما ينقل "ابن الجوزي" و"ابن الأثير"، أن سلسلة من الهجمات الوحشية قد بدأت على مواكب العزاء والمجالس الحسينية.
واستمرت هذه الحملة الجائرة عبر العصور فمنها ما إرتكبته من السلطة العباسية بحجة "الوحدة"، وتلك الحاصلة خلال عهد السلاجقة وآل عثمان عندما منعوا إقامة العزاء واعتبروه فتنة، فضلاً عن المماليك الذين قتلوا الزائرين وهدموا الحسينيات، مروراً بالنظام البعثي الذي طارد الزائرين، وأعدم أصحاب المواكب، وحتى العصر الحديث عندما شهد العراق والعالم الإسلامي، موجات من الهجمات الإرهابية والتفجيرات التي استهدفت زوار الحسين في عاشوراء الشهادة.
يذكر أن العزاء الحسيني كان ومازال يُحارب بلا هوادة لأن الذين يخافون من كربلاء، يعلمون أن الحسين ليس ماضياً فقط، بل مشروع دائم للثورة والوعي، ولأنهم يدركون أن كل دمعة تُذرف عليه هي صفعة على وجوه الطغاة، وأن كل موكب يُقام باسمه هو تظاهرة ضد الظلم، وأن كل مجلس عزاء هو جبهة مقاومة لا تموت.
ولهذا، منعت المآتم، وفُجّرت المواكب، وقُمع الخطباء، سُحقت المواكب، فكل جريمة ارتُكبت بحق الشعائر الحسينية، من فتاوى الغزالي إلى تفجيرات داعش والقاعدة، هي اعتراف غير مباشر بأن عاشوراء ما زالت تؤرق الظالمين.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص46-47.