وعمد الأجلاف  اللئام  من أهل الكوفة إلى مواراة جيف قتلاهم ، وتركوا جثمان ريحانة رسول الله وجثث أهل بيته وأصحابه الممجدين على رمضاء كربلاء ، وانبرى قوم من بني أسد من الذين لم يشتركوا في الحرب فحفروا القبور لتلك الجثث الزواكي ، وكانوا متحيرين  في معرفتها؛ لأن الرؤوس قد فصلت عنها ، وبينما هم كذلك إذ أطل عليهم الإمام زين العابدين عليه السلام حسبما نصت عليه بعض المصادر الشيعية - فأوقف بني أسد على شهداء أهل البيت وغيرهم من الأصحاب ، وبادر بنفسه إلى حمل جثمان أبيه فواراه في مثواه الأخير وهو يذرف أحر الدموع قائلاً.

(طوبى لِأَرْضِ تَضَمَّنَتْ جَسَدَكَ الطَّاهِرَ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا بَعْدَكَ مُظْلِمَةٌ ، وَالْآخِرَةَ بِنُورِكَ مشْرِقَةً ، أَمَّا اللَّيلُ فَمُسَهْدٌ ، وَالحُزنُ سَرْمَدٌ ، أَو يَختَارُ اللَّهُ لِأَهْلِ بَيْتِكَ دَارَكَ الَّتِي أَنتَ بِهَا مُقِيمٌ ، وَعَلَيْكَ مِنِّي السَّلَامُ يَابنَ رَسُولِ اللهِ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ) .

ورسم على القبر الشريف هذه الكلمات : ( هَذَا قَبْرُ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي قَتَلُوهُ عَطَشَانَا غَرِيبَاً) . ودفن عند رجلي الإمام عليه السلام فلذة كبده ولده علي الأكبر، ودفن بقية الشهداء من هاشميين وغيرهم في حفرة واحدة ، ثم انطلق مع الأسديين إلى نهر العلقمي

فحفر قبرا ووارى فيه عمه قمر بني هاشم ابا الفضل العباس بن امير المؤمنين عليه السلام وجعل يبكي احر البكاء وهو يقول ( على الدنيا بعدك العفا ياقمر بني هاشم، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمه الله وبركاته) واصحبت تلك القبور الطاهرة رمزا للكرامة الانسانية، ورمزا لكل تضحية تقوم على الشرف والعدل والحق، وقد اصبحت من اقدس مراكز العبادة وافضلها في الاسلام.


المصدر / موسوعة سيرة اهل البيت / السيخ باقر شريف القرشي / ص ١٧٨