في تحقيقٍ صادمٍ وغير تقليدي، يكشف الأستاذ الحاج "عبد الأمير القريشي" في كتابه القيّم "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، عن الحقيقة المهملة خلف الأرقام المتفاوتة التي روتها المصادر التاريخية حول عدد أصحاب الإمام الحسين "عليه السلام" في يوم عاشوراء.
ورغم أنّ تلك الأرقام تتباين من مصدر لآخر، فإنّ جوهر الحقيقة لا يتبدل، وهو أن أولئك الأصحاب قلّوا أو كثروا، فإنهم كانوا سيوفاً لا تُقاس بعدد، بل بالعقيدة.
ويعود السبب وراء إضطراب الروايات وإختلاف المؤرخين في العدد، وفقاً لما وثقه "القريشي"، إلى أمور عدة منها تغيّر أعداد الأنصار بين منزل وآخر في طريق الإمام "عليه السلام"، وانصراف البعض بعد سماعهم بخبر استشهاد مسلم بن عقيل، فضلاً عن تداخل وتكرار الأسماء أو وقوع التحريف والتصحيف، إلى جانب تساقط النصوص على مرّ العصور أو اللبس في نقل الوقائع.
جميع هذه العوامل صنعت من عدد أصحاب الحسين، جدلية تاريخية تحتاج إلى تدقيق علمي منهجي لا إلى مزايدات مشكّكة.
وكان من أقدم وأوثق المصادر حول شهداء كربلاء هو كتاب "تسمية من قتل مع الحسين" للمؤرخ "الفضيل بن الزبير الرسان الأسدي الكوفي الزيدي"، وقد ورد فيه أن عدد الشهداء الكلي هو (106)، بينهم (20) من الهاشميين، وكان عدد شهداء الأنصار هو (86) بينهم من استشهد قبل المعركة كـ "قيس بن مسهر، و"هاني بن عروة"، جاعلاً العدد الفعلي لمن استشهد يوم عاشوراء في الميدان بحسب "الفضيل"، هو (83).
إلا أن "القريشي" في معرض تدقيقه لرواية "الفضيل"، قد كشف أن "سلمان بن مضارب"، لم تثبت صحبته في المعركة، وإنه قد ثبت تاريخياً أن كلاً من "كثير بن عبد الله الشعبي"، و"مهاجر بن أوس" كانا ضمن صفوف جيش عمر بن سعد، وفي المقابل، لم يذكر "الفضيل"، الشهيد "زهير بن القين البجلي" رغم كونه من أبرز شهداء الطف.
وبناءً على هذه التحقيقات، يصحّح "القريشي" العدد إلى (98) شهيداً من الهاشميين والأنصار، رغم أن المهم في هذا المبحث، ليس العدد بحد ذاته، بل النور الذي لا يُحصى، ففي حسابات الطغاة، فإن الأرقام تصنع القوة، أما في كربلاء، فكانت القلوب التي لا تنكسر، هي من صنعت التاريخ.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص81-83.