في قلب كربلاء، وتحديداً في ليلة الجمعة من أول أيام شوال عام 1155هـ، وُلد أحد أعلام الفكر والفقه والأدب في العالم الإسلامي، السيد "محمد مهدي بحر العلوم"، الذي سُطّرت ولادته بعبارة بلاغية حملت دلالة رمزية بليغة، "لنصرة أي الحق قد ولد المهدي".

ينتمي السيد بحر العلوم إلى شجرة نسبٍ طاهرة تنتهي بالإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب "عليهم السلام"، ويعدّ رأس أسرة آل بحر العلوم العريقة، ومؤسس مجدها العلمي والأدبي.

نشأ في كربلاء في كنف والده العالم الجليل السيد مرتضى، وتلقى علومه الابتدائية على يد علماء عصره، ثم نهل من معين البحث الخارج أصولاً وفقهًا على يد كبار العلماء، مثل والده، والوحيد البهبهاني، والشيخ يوسف البحراني.

وفي عام 1169هـ، انتقل السيد إلى مدينة النجف الأشرف، وهناك لمع نجمه وذاع صيته بين أروقة الحوزة العلمية، حيث تتلمذ على أيدي فطاحل العلم، منهم الشيخ مهدي الفتوني، والشيخ محمد تقي الدورقي، والشيخ محمد باقر الهزارجريبي المازندراني.

وبعد أعوام من الاجتهاد والمثابرة، آل إليه لواء الزعامة الدينية، وأصبح من بين أوائل فقهاء عصره، بل صار مرجعاً روحياً وعلمياً لكبار علماء ذلك الزمان، الذين أصبح بعضهم لاحقاً مراجع عظام في الطائفة الشيعية.

لم يقتصر نبوغه على الفقه والأصول، بل كان أديباً شاعراً له ديوان كبير، كما خلّف تراثاً علمياً زاخراً يزيد على ثلاثين مؤلفاً، من أبرزها، المصابيح، والدرة النجفية، ومشكاة الهداية، والفوائد الأصولية، فضلاً عن كتاب تحفة الكرام في تاريخ مكة والمسجد الحرام، والفوائد الرجالية، والأثنا عشريات في المراثي، وغيرها.

وقد تناولت سيرته مجموعة كبيرة من كتب التراجم والموسوعات العلمية والأدبية، منها الذريعة إلى تصانيف الشيعة، والأعلام للزركلي، ومعجم رجال الفكر والأدب، ومعجم الأدباء.

توفي السيد محمد مهدي بحر العلوم في شهر رجب سنة 1212هـ، ودُفن بجوار مرقد الشيخ الطوسي "رضوان الله عليه" في النجف الأشرف، لتكون مجاورته لأحد أعلام التشيع دليلاً آخر على مكانته الفريدة في ذاكرة الحوزة والتاريخ الإسلامي.

 

المصدر: كامل سلمان الجبوري، وثائق الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، 2025، ص165-166.