أسست المدرسة الزينبية عام 1276هـ/1860م بأمر من السلطان القاجاري ناصر الدين شاه، وبإشراف مباشر من العلامة الشيخ عبد الحسين الطهراني، الذي تولى الإشراف على بناءها وتنظيم شؤونها العلمية، سُميت المدرسة بهذا الاسم نسبة إلى موقعها عند باب الزينبية الواقع في الجهة الغربية من الصحن الحسيني المقدس، والذي كان يُدخل إليها عبر الحائر الحسيني، مما جعلها جزءا من النسيج المعماري والديني للمدينة القديمة.
تولى إدارة المدرسة بعد تأسيسها كبار العلماء، أبرزهم آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي، الزعيم الروحي لثورة العشرين العراقية عام 1920م، والذي خلفه ابنه الشيخ عبد الحسين الشيرازي في إدارتها حتى هَدمها، وشهدت المدرسة ازدهارا علميا تحت إشرافهما، حيث تحولت إلى مركز إشعاع فكري يُخرّج علماء وفقهاء كباراً مثل الشيخ جعفر الهر (ت 1347هـ) وتلميذه الشيخ محمد الخطيب (ت 1380هـ)، بالإضافة إلى السيد نور الدين الجزائري النجفي (ت 1409هـ)، الذين تولوا التدريس فيها وأسهموا في إثراء مناهجها
ضمت المدرسة مكتبة عريقة، وصفها الشيخ أغا بزرك الطهراني بأنها عامرة بمجلدات نادرة، منها كتاب (شرح التبصرة) للسيد حسن بن إسماعيل الحسيني القمي الحائري، الذي أُلف داخل المدرسة عام 1306هـ/1889م، وكانت المكتبة وجهةً للباحثين وطلاب العلم، مما عزز مكانة المدرسة كصرح علمي رائد.
من الناحية المعمارية، تميزت المدرسة بتصميمها الفريد الذي يعكس الطراز الحيري (نسبة إلى الحيرة)، حيث اعتمد على الصحن (الفناء المكشوف) كعنصر مركزي، محاط بالأروقة والقاعات الدراسية وغرف السكن للطلبة، مع زخارف جصية وقاشانية تحمل آيات قرآنية ونقوشًا هندسية .
لكن هذا الصرح العلمي لم يسلم من التهديم، ففي 15 تشرين الثاني 1948م، هُدمت المدرسة بأمر من متصرف كربلاء عبد الرسول الخالصي، كجزء من مشروع توسعة شارع الحائر المحيط بالعتبة الحسينية، وشمل التهديم المدرسة نفسها وموقوفاتها، مثل مسجد حسن خان ومرقد محمد تقي الشيرازي، مما أثار احتجاجات واسعة لطمس معلم تاريخي وديني بارز ، ومع ذلك تضل المدرسة الزينبية شاهدة على دور كربلاء كقلعة للعلم والإيمان عبر العصور.
د.رؤوف الانصاري ،كربلاء الحاضرة والتاريخ،مؤسسة الإعلمي،بيروت،2016،ط1،ص235
الشيخ احمد الحائري الاسدي،اعلام من كربلاء،البلاغ،بيروت،2013،ط1،ص393