بعد غارة الوهابيين على مدينة كربلاء المقدسة، والتي خلفت أبشع جرائم القتل والترويع وتخريب المرقد الحسيني الشريف وسلب مقتنياته، شهد الصحن الحسيني الشريف العديد من عمليات التجديد والإعمار، فقد جرت إصلاحات كثيرة للحائر المقدس على يد السلطان فتحعلي شاه القاجاري، وذلك في عام ١٣٣٢هـ بهمّة الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء، الذي توجه لمقابلة الشاه في طهران في أمر تعمير الحائر بعدما هدمته ونهبته الأيادي الوهابية العابثة، ثم أخذ يتجوّل في أنحاء إيران يشجّع على التعمير وإصلاح ما خربّه الوهابيون.
وكان أيضًا لمحمد علي مرزا بن فتحعلي شاه الذي تعيّن واليًا لكرمنشاه، الأيادي البيضاء في تعمير الحائر بعد هدم الوهابيين له : فأمر بتزيين الحرم الشريف وتعميره كما جاء ذكره في تاريخ كربلاء المعلى (ص ١٦)، وبذل لذلك مبالغ وفيرة.
وفي هذا الدور من عصر فتحعلي شاه تبرعت زوجته بتذهيب المأذتنين. أما التذهيب الثالث للقبة السامية فإنّه كما يجده الزائر مكتوبًا على القسم الأسفل من القبة السامية فوق الشبابيك المطلة على داخل الروضة بسطر من ذهب في ضمن الآيات القرآنية المكتوبة في الكتيبة من حول القبة، وكذلك توسيع الصحن من ناحية الغرب وتشييد الجامع الناصري العظيم فوق الرأس، وكان ذلك كله في عهد ناصر الدين شاه حفيد فتحعلي شاه، في أوائل الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري.
لقد وجّه الشاه ناصر الدين في سنة ١٣٧٦ هـ، كبير علماء إيران الشيخ عبد الحسين الطهراني بأموال طائلة إلى كربلاء لإجراء ما يلزم للعتبات المقدسة من الإصلاح والتجديد والتعمير كما جاءت خلاصة ذلك في (تحفة العالم ص ۳۰۸)، فجاء الشيخ عبد الحسين الطهراني إلى كربلاء وجدّد تذهيب القبة الحسينية وبناء الصحن الشريف، وشمل التجديد تحسين البناء المعماري للصحن الشريف، إذ تمّت تقوية الأساسات وإعادة بناء بعض الأروقة والجدران، كما تمّ تجديد الزخارف والنقوش، ما أضفى جمالًا استثنائيًا يعكس فنون العمارة الإسلامية في تلك الحقبة. وقد استخدمت مواد بناء متينة لضمان بقاء الصحن الشريف لقرون طويلة.
بالإضافة إلى ذلك، أنشأ الشيخ الطهراني مدرسة دينية ملاصقة للمشهد الشريف، تُعرف بمدرسة الصدر الأعظم النوري، كما أسس مكتبة نفيسة ضمّت مخطوطات نادرة، منها النسخة الوحيدة في العالم لترجمة العلّامة نصير الدين الطوسي لأحد كتّاب اليونان. هذه المخطوطة اقتناها المتحف البريطاني بطرق ملتوية، وهي من ذخائره اليوم.
ولما فرغ الشيخ الطهراني من ذلك مرض في مدينة الكاظمية المقدسة وتوفي سنة ١٢٨٦هـ ونقل إلى كربلاء المقدسة، وكانت وفاته بسنتين قبل زيارة ناصر الدين شاه للعتبات المقدسة في سنة ۱۳۸۸ هـ في أيام مدحت باشا والي بغداد، ودفن الشيخ في الجانب الشمالي من باب السلطانية في مقبرته الخاصة في الزاوية الشمالية الغربية من الصحن المقدس ولا زالت مقبرته موجودة إلى الآن داخل الصحن.
المصادر:
1- موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ص148
2- تاريخ كربلاء وحائر الحسين (ع)، ص263
3- موقع العتبة الحسينية المقدسة:
https://imamhussain.org/heritage/28421?utm_source=chatgpt.com